الشبكة العربية للأنباء

تآكل الأخلاق السياسية

2020/03/05 الساعة 01:08 مساءً

 

ليست الأسواق المالية وحدها التي تعاني من انهيار حاد، ولا المجال الفني هو الآخر الذي يعاني من الشيء نفسه، ولكن ما يبدو مؤكداً أن العالم يعيش مرحلة الانهيار الأخلاقي السياسي. ملامح وشهود ذلك في أماكن كثيرة؛ مأساة الشعب السوري لا مثيل لها، تتاجر بقضيته الإنسانية الشريفة دولٌ كثيرة لمصالحها الخاصة، ولم تشفع القوانين وميثاق حقوق الإنسان لوقف المذابح التي تحصل بحق السوريين من قِبل النظام السوري والقوات الروسية والميليشيات الإرهابية بقيادة تنظيم «حزب الله».
أيضاً بنيامين نتنياهو يُعاد انتخابه مجدداً وهو المدان بتهمة الفساد في المال العام، واستغلال السلطة. ودونالد ترمب يخوض معركة انتخابية مجدداً، بعد مروره بقضية العزل الرئاسي من قِبل مجلس النواب الأميركي.
ورئيس الوزراء الهندي مودي الذي يتزعم أكبر ديمقراطية في العالم؛ تلك الدولة التي كرست النهج المدني مرجعيةً لإدارة الاختلافات الدينية والعرقية والثقافية، يشهد عهده الآن نمواً خطيراً لخطاب متطرف وشديد العنصرية باسم الهند للهندوسيين، وهو موجّه بشكل رئيسي ضد الأقلية المسلمة، وإن لم تسلم منه الأقليات الأخرى.
إنه غياب تام للمرجعية الأخلاقية السياسية؛ تلك المرجعية النبيلة التي كانت توفر قيم التسامح والعدالة والمساواة وفصل السلطات ودولة القانون، كل ذلك تحت مظلة الدولة المدنية، التي لم يسمح بالخروج عن أخلاقها ومبادئها. ولكن شيئاً ما يحدث؛ فبينما يتم الوعد بالرخاء والأمان وتعزيز الوطنية الزائفة، يتم طرد العدالة والحريات. إنها أزمة العالم الأخلاقية الأهم.
أدولف هتلر الذي جاء إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات تبنى أعنف خطاب عنصري، اخترق فيه القيم والأخلاق السياسية كافة، وكوّن نموذجاً استباقياً للنازية؛ قلده العشرات ولا يزالون يقلدون؛ وإنْ كان بأشكال وأسماء أقل تصادمية، لكنها تؤدي الغرض نفسه وتصل إلى النتيجة ذاتها.
أزمة الحكم في الدول المدنية الكبرى أزمة حقيقية؛ إذ لسنوات طويلة تم الترويج لنظام سياسي أخلاقي مبني على مبادئ وقيم، ومن الطبيعي أن ما يحدث في أميركا اليوم يزعج جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وألكسندر هاميلتون وجون آدامز وسائر الآباء المؤسسين. والشيء نفسه بالنسبة لما يحدث في الهند؛ فهو دمار لدولة غاندي العظيمة.
تآكل الأهداف الأخلاقية في سياسات الدولة المدنية مسألة خطيرة، لأن ضرره لا يؤثر عليها وحدها فحسب؛ ولكن حتماً يطال العالم بأسره.
نمو الأمم والشعوب والأنظمة بخطوط صعود وهبوط وشدّ وإرخاء ومدّ وجزر... يتحكم في أسباب ذلك عوامل مختلفة داخلية وخارجية، ولكن يبقى العدل هو الهدف الرئيسي الذي وضعته الشرائع السماوية والنظم السياسية، وأي ابتعاد عنها خطأ يجب عدم السماح به.