تُعدُّ القضية الجنوبية واحدة من أبرز القضايا السياسية والاجتماعية، التي تشغل الساحة اليمنية منذ عقود، فقد شهدت هذه القضية تحولات كبيرة منذ فترة ما بعد إعلان الوحدة عام 1990م، إلى اليوم؛ إذ تتداخل فيها الأبعاد التاريخية والاجتماعية والسياسية، رغم الجهود الدولية والمحلية الرامية إلى تحقيق السلام، لا تزال القضية الجنوبية تعاني عدم الاستقرار، فقد عُقِدت عدة مؤتمرات ووساطات، كان أبرزها مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلق في عام 2013م، لكنه لم يحقق النتائج المرجوة.
تأتي هذه المحاولات في وقت يعاني فيه الشعب اليمني أزمات إنسانية خانقة، مما يزيد من تعقيد المشهد.
تعرض الجنوب في 2015م، بشكل خاص لموجة غزو جديدة، وكان رأس الحرب فيها تحالف عفاش والحوثي، وخلّف هذا الغزو نتائج جديدة على الأرض، وخلق حالة من السيطرة الميدانية، لكنها لم تصل للانفصال بفضل وجود قوات لتحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية الذي كان الشريك الرئيس في هذا النصر على الحوثة في المناطق الجنوبية، إلا أن تعرقل تحرير مناطق أخرى شمالية خلق واقعًا صعبًا المضي في تحريره عسكريًّا أو في عملية سياسية دون حل جدري للقضية الجنوبية، وخلق شكل دولة يرضي الجنوبيين؛ لكي يضمنوا أن مشاركتهم في تحرير صنعاء ضرورة تفرضها أن القوة العسكرية أغلبها من الجنوب؛ ولذا، لا يمكن لأي قائد يدفع بهذا لتحرير صنعاء دون حصوله أن بعد تحرير صنعاء كيف سيكون الحل؛ لكي لا ترتد القوى الأخرى إلى غزو الجنوب مرة أخرى.
تتجدد المخاوف من عودة الصراع في الجنوب، في ظل تصاعد التوترات بين القوى السياسية المختلفة، فالصراعات القبلية والاقتصادية ما زالت تؤدي دورًا رئيسًا في تأجيج الأوضاع، بالإضافة إلى ذلك، تشتد المنافسة الإقليمية والدولية حول النفوذ في المنطقة، مما يزيد من تعقيد الحلول المقترحة.
المستقبل يبدو غامضًا بالنسبة للقضية الجنوبية، فهناك احتمالان رئيسان: الأول: التوصل إلى اتفاق سلام شامل يضمن حقوق جميع الأطراف، والثاني: استمرار الصراع الذي قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. لتحقيق السلام؛ لذا، يجب أن يكون هناك حوار شامل يضم جميع المكونات السياسية والاجتماعية.
تظل القضية الجنوبية واحدة من أكبر التحديات التي تواجه اليمن في الوقت الراهن؛ إذ إن تحقيق السلام الدائم يتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، ودعمًا دوليًّا فاعلًا، الإضافة إلى تعزيز دور المجتمع المدني والشباب في عملية البناء والسلام، فالمستقبل مرهون بالجهود المبذولة نحو المصالحة الشاملة وإعادة بناء الثقة بين جميع الأطراف.