فرضت تداعيات جائحة كورونا إجراءات استثنائية على اقتصادات العالم، بدءا من التدابير الحمائية التي اتخذت في العديد من الدول، وحزم التحفيز المالية المختلفة، والسياسات المالية المتبعة لحماية الأسواق من أثر تلك التداعيات غير المسبوقة، لا سيما على المؤشرات الكلية، بما في ذلك معدلات التضخم والبطالة.
وفي مصر، شهدت معدلات الفائدة تراجعا في خط متوازٍ مع جائحة كورونا، إذ انخفضت بنحو 4 بالمئة خلال عام 2020 (منها 3 بالمئة مرة واحدة في مارس من العام نفسه، ضمن إجراءات مواجهة تداعيات الجائحة) لتصل إلى 8.25 بالمئة (على الإيداع) بعدما كانت قد بلغت أعلى مستوى لها في 2016، عندما رفعت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، في يونيو من العام نفسه، سعر فائدة الإيداع من 10.75 في المئة إلى 11.75 بالمئة، بعد قرار تحرير سعر الصرف في مارس 2016.
ومع المنحنى المتراجع لمعدلات الفائدة، يسعى الكثيرون إلى ملاذات مدرة للأرباح للاستفادة من مدخراتهم بشكل آمن، على المديين المتوسط والطويل، مما شكّل دافعا بشكل رئيسي للاتجاه إلى قطاعات يُتوقع أن تشهد مزيدا من الحركة في الفترات المقبلة.
على رأس تلك الاستثمارات، يأتي الاستثمار في الذهب والقطاع العقاري، وسط توقعات بزيادات مستقبلية متواصلة في القطاعين، في ظل الاتجاه إليهما كملاذات آمنة أو كمخزن قيمة، مع تراجع معدلات الفائدة.
يقول الخبير الاقتصادي المصري، سيد خضر، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "تراجع معدلات الفائدة وعلى رغم ما ينطوي عليه من أوجه إيجابية بالنسبة للاقتصاد القومي، لجهة تشجيع وتعزيز الاستثمارات، فإن الأفراد في الوقت نفسه يواجهون آثارا سلبية لانخفاض الفائدة، مما يؤدي لتراجع نسبة عوائدهم المالية، وبالتالي تكون هناك خيارات واضحة أمام الأفراد، إما الاتجاه للاستثمار في أدوات مختلفة أو اللجوء لأوجه الادخار الآمن".
ويشير إلى أن كثيرا من الأفراد ينطلقون من مقولة إن "رأس المال جبان"، وبالتالي في مثل تلك الفترات على رغم تراجع الفائدة، يبتعد البعض عن الاستثمار، ويتجهون إلى الحفاظ على قيمة مدخراتهم ومحاولة تحقيق أرباح في الوقت نفسه، وبالتالي يلجأ البعض إلى الذهب".
ويبرز خضر ارتفاع أسعار الذهب وتوقعات مواصلة الارتفاعات، "بسبب إقبال الأفراد والمؤسسات عليه مع تراجع الفائدة، والبحث عن أوجه آمنة لتحقيق عائد على المديين القصير والطويل".
ويوضح أنه "رغم ما تم اتخاذه من خطوات في سبيل التعافي، فإن الاقتصاد العالمي أمام أزمة كبيرة، لا سيما في الفترة المقبلة، مع حلول فصل الشتاء وارتفاع نسب الإصابات بفيروس كورونا، خاصة في أوروبا، مما ينعكس بدوره على الوضع الاقتصادي عموما، ويدفع إلى استمرار هروب الاستثمارات والمدخرات مع تراجع الفائدة".
ويتحدث في السياق نفسه عن مسألة لجوء البعض إلى العملات الافتراضية، التي تشهد إقبالا شديدا في الفترة الأخيرة بسبب المكاسب السريعة، مما يؤثر بدوره على الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، لاسيما الاستثمار في البورصات.
لكنه ينوه إلى أن تلك العملات، التي يعتقد البعض بكونها ملاذا مناسبا في الفترة الحالية، هي في الواقع "غير آمنة للاستثمار في المجمل"، وينصح باللجوء إلى الذهب والعقارات بشكل خاص.
وفي ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي اتبعته مصر، ومع تداعيات جائحة كورونا بعد ذلك، شهدت أسعار الفائدة تحركات واسعة خلال السنوات الأخيرة.
وثبت البنك المركزي سعر الفائدة قبل أسابيع للمرة الثامنة على التوالي، على رغم ارتفاع معدلات التضخم. ومن المقرر أن يعقد آخر اجتماع في 2021 يوم 16 ديسمبر المقبل، للجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي.
وفي تقدير رئيس غرفة صناعة الذهب في اتحاد الصناعات، رفيق عباسي، فإنه مع تراجع معدلات الفائدة، تتحول بعض المدخرات إلى أوجه ادخار بديلة، من بينها الذهب، لكنه يوضح في الوقت نفسه أن "الذهب بشكل عام حول العالم، هو مخزن قيمة وليس استثمارا، بمعنى أن يحافظ على قيمة النقود".
ويشير في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أنه "إن كان الغرض هو الادخار والحفاظ على قيمة الأموال التي تفقد قيمتها مع مرور الوقت، فالذهب يكون في هذه الحالة الخيار الأمثل؛ كونه يحافظ على القيمة".
ويستطرد: "لكن إن كان الغرض هو الاستثمار، فهناك خيارات استثمارية أخرى إلى جانب البنوك، من بينها الاستثمار في أسواق المال".
ويختتم عباسي حديثه موضحا: "الذهب يحتفظ بقيمة العملة، لكنه في الوقت نفسه لا يمنح صاحبه دخلا دوريا بخلاف الأسهم. يمكن اللجوء للذهب في حالة الرغبة في الادخار خشية أن تفقد العملة قيمتها مع الوقت، وفي ظل تراجع الفائدة".