خلال السنوات التي قضيتها في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بات لديّ احترام لأوروبا شريكاً للولايات المتحدة، وذلك ليس فقط بسبب انضمامهما معاً في الناتو، ولكن بسبب القيم المشتركة بينهما، بما في ذلك الحرية الشخصية وحرية الصحافة والتجارة العادلة، فلم يكن المتحالفون عبر الأطلسي شركاء فقط في العمليات الدولية، من حفظ السلام في البوسنة، إلى القتال معاً في أفغانستان، لكن أيضاً في معالجة قضية تغير المناخ من خلال اتفاقيات باريس المناخية.
وقد تعرضت هذه العلاقة المتوازنة، بالطبع، لبعض الانحرافات بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والسياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب التي يطلق عليها «أميركا أولاً»، ومع انتهاء الانتخابات الأميركية واكتساب الانتقال إلى إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن زخماً، فإنه سيكون هناك شعور بضرورة إعادة بناء العلاقات الأميركية - الأوروبية من جديد، وأنا أتفق مع هذا الاقتراح البسيط. ومع ذلك، فإنه سيكون من الخطأ السعي للعودة إلى عالم إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وإعادة خيارات السياسة التي كانت سائدة قبل 4 سنوات.
وقد باتت أوروبا الآن مكاناً مختلفاً عما كانت عليه قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعهد دونالد ترمب، ولذا فإنه يجب على واشنطن أن تفكر في طرق جديدة للتعامل مع المجموعة الأكثر قيمة من الشركاء لتحقيق أقصى فائدة لكلا جانبي المحيط الأطلسي.
وأولاً، تحتاج الولايات المتحدة إلى تبني سياسة خارجية حديثة ومختلفة تجاه الدول الأوروبية الفردية وتجاه التحالفات الإقليمية، وهناك بعض الحقيقة في السؤال الذي غالباً ما يُنسب إلى هنري كيسنجر (وهو ما ينفي طرحه له)؛ بمن أتصل إذا كنت أريد الاتصال بأوروبا؟
ويجمع المشروع الأوروبي بين أكثر من 30 دولة مختلفة ذات سيادة، وبعضهم أعضاء في الناتو، لكن ليسوا أعضاء في الاتحاد الأوروبي (مثل آيسلندا والنرويج)، والبعض الآخر العكس (النمسا وفنلندا والسويد)، وبعضها محايد تماماً (سويسرا) في سياستها الخارجية، وهناك خلاف حول استخدام العملة الموحدة، مع وجود كثير من الدول خارج ما يسمى منطقة اليورو، ولا تزال تركيا، في أذهان كثير من المراقبين، ليست داخل أوروبا ولا خارجها، ويوضح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي مدى السرعة والضخامة التي يمكن أن تتغير بها الأمور.
وبالنسبة لإدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، فإنه من المحتمل أن يكون هناك إغراء لزيادة العمل مع الاتحاد الأوروبي ككل، وهو ما يعد أمراً معقولاً إلى حد ما، فالمنظمة بقيادة أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة، وقد عملت معها كثيراً في أيام الناتو، وهي ذكية وعقلانية ولديها حس سياسي جيد. كما أن القوة الجماعية لدول الاتحاد الأوروبي، حتى مع رحيل البريطانيين، تعد قوية للغاية، ما قد يدفع صانعي السياسة الأميركيين إلى الشعور بأن التعامل مع الكتلة بطريقة موحدة هو النهج الأكثر كفاءة.
لكن النهج الأفضل سيكون في جزء منه نهجاً إقليمياً، مع الاعتراف بأن أوروبا الشرقية لديها مجموعة مختلفة تماماً من التحالفات والاحتياجات عن دول الشمال؛ على سبيل المثال، وبالمثل، فإن الطبقة الجنوبية (اليونان وإيطاليا وإسبانيا)، التي تعاني جميعها من صعوبات اقتصادية، تختلف عن المركز الفرنسي والألماني الأكثر استقراراً في القارة.
وثانياً، فإنه يجب على فريق بايدن إحياء شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي المقترحة، والتي تم تجميدها من قبل إدارة الرئيس ترمب، وستؤدي هذه المبادرة، من بين تدابير أخرى، إلى إزالة الحواجز التجارية، كما أنها ستزيد من اليقين القانوني، وستؤدي إلى وجود أكبر منطقة تجارة حرة في التاريخ، وعلى الرغم من أنها لن تخلو من الجدل (خاصة في أوروبا؛ حيث تخشى بعض الدول المنافسة)، فإنها ستوفر للتحالف الغربي توازناً للشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة في آسيا، والتي ستهيمن عليها الصين.
ثم هناك الاتفاق النووي الإيراني، الذي انضمت إليه أيضاً المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وقد يكون المسار السهل هو الانضمام إلى الاتفاقية، وهو أمر قد يرغب فيه الأوروبيون على الأرجح، والذي ناقشه بايدن خلال الحملة الانتخابية، ولكن بالنظر إلى مجموعة الأحداث والظروف الجديدة، بما في ذلك مقتل الجنرال قاسم سليماني في يناير (كانون الثاني) الماضي، ومقتل عالم نووي بارز الأسبوع الماضي، والزيادة الكبيرة في حجم وتخصيب مخزون إيران النووي، وأن أجزاء من الاتفاقية تقترب بالفعل من تواريخ انتهاء صلاحيتها، فإنه سيكون من المنطقي العمل نحو عقد اتفاقية جديدة، وللقيام بذلك، فإنه يجب أن يذهب فريق بايدن أولاً ليس إلى طهران، ولكن إلى بروكسل، بحيث يمكن للولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين الاقتراب من إيران بموقف موحد.
ورابعاً، فإن النهج الجديد بشأن المناخ يبدو منطقياً. إن تعيين وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري «مبعوثاً» لبايدن بشأن المناخ يجلب زعيماً ذا مكانة وخبرة إلى القضية، ولكن إعادة الانخراط في هذه القضية يجب أن يشمل أكثر من مجرد الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، بل إنه يستلزم العمل مع أوروبا لقيادة الجهد العالمي.
وأخيراً، فإن القضية الشاملة التي تواجه المجتمع الدولي هي احتمال انزلاق الولايات المتحدة والصين إلى حرب باردة جديدة، وأفضل طريقة لتجنب ذلك هو أن تعمل الولايات المتحدة بشكل وثيق مع أوروبا بشأن كثير من نقاط الخلاف في العلاقة بين القوتين العظميين؛ التجارة الحرة، وسرقة الملكية الفكرية، والنزاعات في بحر الصين الجنوبي، والهجمات الإلكترونية.
ولنكن صادقين، فإنه في المستقبل القريب، سيأخذ تنشيط العلاقات مع أوروبا أولوية أقل من التعامل مع مرض «كوفيد 19» على المستوى المحلي، وضبط السياسة تجاه الصين على المستوى الدولي، وذلك على الرغم من أن العلاقات مع أوروبا يجب أن تكون على رأس أولوياتنا. إن شعار التعامل بين الجيش الأميركي وأوروبا هو كلمتان بسيطتان اخترناهما منذ أكثر من عقد «أقوى معاً»، وهي الحقيقة التي ينبغي على إدارة بايدن أن تحترمها.