عندما تتحرك مصر فإن الرقعة الجغرافية العربية في خطر، والحلول السياسية التي اقترحتها لن تفرض إلا بالقوة، لأنَّ رئيس الحكومة المنتهية ولايتها في ليبيا فائز السراج بإيعاز من تركيا رفضها، بالتالي لم يفعل العرب في توسعهم السياسي سوى إدامة تقاليد الشرق الأوسط الكبرى، ما جعل كل محتل جديد يحمل معه مفاهيمه المغلوطة، الدينية والسياسية، ويشكل إعادة تأريخ مصطنعة، لها تأثيرات بيئية وتقنية وطرق تجارية، فهل يعيد التاريخ هزائم العثمانيين من جديد التي حدثت في عام 1831 عندما اجتاح باشا مصر، محمد علي، بدعم من فرنسا، سوريا ولبنان وفلسطين، وتوغلت جيوش ابنه، إبراهيم باشا، في الأناضول وهددت إسطنبول بعدما هزمت القوات العثمانية في كونية.
لذا، لن يصمد العثمانيون الجدد كثيراً، فهم يعلمون قدرة مصر العسكرية، وقبل أن تبدأ المعركة سيفرّ من أرضها المرتزقة وفلول «الإخوان» وتبقى خسائر إردوغان شاهداً على هزيمته، فمهما كانت خياراتهم وشعاراتهم بأنهم يمتلكون قدرات خارقة لاختراق التحصينات ودخول المدن، فسيطردهم العرب طرد الشياطين، بما فيهم «داعش» و«القاعدة» والميليشيات الإرهابية الأخرى، فقد ظهر للعالم الصراع الكثيف، وظهر معه مفهوم اللاجئ الذي يستخدم أداةً في يد المستعمر، أمام أعين الكاميرات، ليقدم صوراً حية ومباشرة للعالم، تعبر عن حالات التمزق في خطوط القتال، بمقابل زهيد أرخص من ثمن رغيف يقتات به، وكل يوم نشاهد مزيداً من الأدلة، وأصبح التصوير جزءاً رئيسياً من الحياة الحديثة لتفرز احتجاجات عنيفة.
وفي ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الجوهرية الناتجة عن الضغوط والتدهور الإداري، تجد ليبيا نفسها محاصرة بوابل من رسائل إعلانية ترسل صور العملاء والجنود والمرتزقة وميليشيا مسلحة تقتحم المدن، وتهدد المدنيين الآمنين بغزو زعزع بنيتها، والقيام بعمليات انتقامية تجاوزت الحدود، بينما هناك قوى عظمى غارقة في صمت مريب، وكأنها تحاول تأسيس حدائق خلفية لها هناك، متجاوزة كل القوانين الدولية والحدود الجغرافية.
ومع اتساع دائرة الاضطرابات وطول أمدها، ظهرت التغذية المباشرة للعنف الإرهابي الذي تشكل على أراضي الدول العربية، بهدف السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية، التي امتدت جذورها المعقدة عميقاً في العراق وسوريا، ثم اتجهت إلى ليبيا، حين اضطرت الدولة الممزقة لمواجهة تركيا إردوغان وأطماعها وحيدة في ظل صمت المجتمع الدولي، بواقع أكثر غموضاً، ما استدعى وقفة دولة عربية كبرى وقول حاسم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وفي مواجهة تزايد العداء من جانب تركيا، والتعبئة العامة من حكومة الوفاق، اعترف برلمان البلاد بعدم شرعية هذه الحكومة، وبعد توحيد الموقف بين مصر وليبيا، أعربت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين أن ليبيا تعتبر أمناً قومياً عالي المستوى واستراتيجياً لمصر، فهناك تهديدات مباشرة تتطلب التكاتف والتعاون، فأدركت سريعاً الخطر السياسي الذي يشكله عليها توغل تركيا، ومشروع «الإخوان» الذي يقوده إردوغان في ليبيا، الأمر الذي يعتبر تهديداً مباشراً لاستقرار مصر وأمنها، لذلك فإن إيقاف هذا المشروع وطرد التركي أمر لا يقبل القسمة على اثنين، وستشارك القوى الشقيقة والصديقة للحماية والدفاع عن مصر وليبيا ومقدرات شعوب البلدين من العدوان الذي تشنّه الميليشيات المسلحة الإرهابية والمرتزقة بدعم كامل من قوى تعتمد على أدوات القوة العسكرية.
وتبقى الحرب وتأثيراتها من أكبر الخسائر لحياة الإنسان، ولكن هذا لا يعني أن نترك الغازي أو المستعمر يدخل البلاد من دون مواجهة ودفاع، فالمسألة تبدو واضحة؛ فهناك خائن سيسلم أرضه وثروات بلاده للتركي، من هنا يكون الأمن القومي العربي في خطر كبير، وأهمية تحرك مصر لتحطيم أحلام هذا الغازي الطوراني، الذي ورث النزعة الانتهازية والفكر الاستعماري من أجداده الذين أبادوا أكثر من مليون أرمني كما يقول التاريخ، وساهم هذا القاتل زعيم المرتزقة الذي يظهر وكأنه حليف «داعش» و«القاعدة» بما يقدمه لهم من تسهيلات باتت تحكي للعالم ما يقترفه ضد دولة وشعب ولاجئين، فهو يرسل المرتزقة المنتمين للفكر «الإخواني» إلى ليبيا لقتال إخوانهم العرب الليبيين.
إن التصدي العربي للمشروعين الإيراني والتركي أصبح بحاجة لتوحيد الجهود العربية بخطة استراتيجية تدمر مشروعهما وتنقل الفوضى إلى داخل هذه الدول، وتضرب مصالحها أينما وجدت. بل يجب القفز لأكثر من ذلك واتخاذ قرارات بمحاسبة كل دولة عربية، مثل قطر وأي تنظيم أو فرد عربي يقف مع مشروعات أعداء العرب، الفرس والطورانيين الأتراك.