إذا لم تنتهي الحرب في البلاد، وتعود مؤسسات الدولة للعمل ما قبل الإنقلاب الحوثي، وفقا لشراكة تجمع جميع أبناء الوطن، فنحن جميعا وبدون إستثناء سنعيش في نموذج أخر شبيها لما حصل في دولة البوسنة والهرسك.
حيث شهدت البوسنة حربًا أهلية في بداية التسعينات من القرن الماضي، وانتهت بعد توقيع اتفاقية دايتون في نوفمبر 1995.
ومن أجل تطبيق الاتفاقية، أنشاء مجلس تنفيذ السلام الدولي، منظمة دولية، يترأسه وزراء خارجية بعض من الدول الأوروبية ودولًا أخرى، حيث أحدثت منصب الممثل السامي في البوسنة والهرسك، لهدفٍ كان واضح، وهو من أجل مراقبة تطبيق إتفاقية السلام.
ولكن، في عام ١٩٩٧، تغير دور البعثة بسبب فشل السياسين في بناء مؤسسات الدولة الجديدة. فأصبح مكتب الممثل السامي يضع الأجندة الوطنية، ويفرضها ويعاقب من يرفض تنفيذها.
فكان المكتب يستخدم حق النقض ضد المرشحين للمناصب الوزارية دون الحاجة لتقديم أي دليل على موقفها. فيمكنها أيضا فرض تشريع وإنشاء مؤسسات جديدة.
فعلى سبيل المثال قام مكتب المفوض السامي بعمل اللجنة القضائية المستقلة، وهدفها محاربة الفساد في مؤسسات القضاء، وقررت اللجنة بعد ذلك فصل جميع القضاة لعدم قدرتها على معرفة الفاسدين، وكان الضحية الجميع. ولم يختصر الوضع على سعادة القضاء، فقد شملت إقالة وزراء وموظفي الخدمة المدنية وأعضاء في البرلمان، مع تجميد حساباتهم المصرفية.
ولم يقتصر ذلك فحسب فبعد انتخابات العام 2002، فحص مكتب الممثل السامي جميع المرشحين السياسيين للمناصب الوزارية الرئيسية على الدولة، قبل تعيينهم في تلك المناصب.
حيث أن ما يحصل في بلادنا، هي خطوة ألف ميل نحو تسليم سيادة الوطن للمنظمات الدولية، لتصيغ القوانين الوطنية، وتعين من تشاء في المكان الذي تريده، دون رقابة ديموقراطية أو مرجعية وطنية. والأخطر من هذا على المدى البعيد، لن تكون هناك مؤسسات وطنية حين تغادر المنظمات الدولية الوطن، لتبدأ حربا أخرى.
لهذا اعتقد ان الحديدة هي اول خطوة لتحويل اليمن نحو بوسنا جديدة، وهنا يتميز دور التحالف العربي في اليمن، لان التحالف أتى ليحمي موسسات الدولة الشرعية، التي بناها اليمنين خلال العقود الماضية، من الدستور، والانتخابات التشريعية والرئاسية، مرورنا بالحوار الوطني الشامل. إما المنظمات الدولية، فقد نزعت السيادة على الجميع في مدينة الحديدة، وسوف تتوسع. وتديرها من على سفينة بحرية قبالة ميناء المدينة، كما فعلت في تيمور الشرقية.
علينا ان نصنع السلام على الطاولة الوطنية والعربية، فلا سلام يصنع عبر المنظمات الدولية، وأن وجد، سيكون ثمنه السيادة الوطنية.
بقلم / الباحث الأكاديمي ، محمد عوض ابن الوزير.