عندما بدأت آفة فيروس «كورونا» أو بحسب الاسم الأدق علمياً «كوفيد - 19» في الانتشار آسيوياً، بداية من الصين، وصولاً لليابان، وبعدها كوريا الجنوبية، حتى الهبوط في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، كان سكان هذه الدول يتفاوتون في التعامل مع هذا التحدي الوجودي، وأخذوا بالتالي مناحي متفاوتة بين الجد والإنكار والاستخفاف. استلهم الصينيون روح التحدي بالعودة إلى أقوال قائدهم العسكري الأسطوري، صن تسوي، وكتابه العظيم «فن الحرب»، مركزين فيه على مقولته الأهم: «الحرب تحسم قبل أن تبدأ».
وفي اليابان، لجأ الناس إلى كتاب «الحلقات الخمس» للقائد العسكري التاريخي، مياموتو موساشي، الذي قال: «لا تخشَ الموت».
الكوريون لجأوا إلى أقوال أشهر رهبانهم القدامى، وانهيو، التي ركزت على الرحمة والعطاء.
وصل الفيروس إلى إيطاليا، بلد الفن والذوق والجمال ومتعة الحياة، لم يصدقوا ما حصل، وصدموا حتى اقتنعوا أنهم في مشاهد من جحيم «دانتي».
وصل الفيروس إلى إسبانيا، وأحدث الأذى نفسه، وسط جاهزية أقل من الإسبان، وأصبحوا يصارعون الفيروس، كأنهم يصارعون طواحين الهواء في «دون كيشوت» لميغيل دي سربانتيس.
ووصل الفيروس إلى فرنسا، ليستحضر الفرنسيون رائعة فيكتور هوغو «البؤساء»، ووقفة بطل القصة جان فالجين.
لكن وصول الفيروس إلى أميركا أعطى القصة بعداً سياسياً واقتصادياً وأمنياً مختلفاً تماماً، له علاقة بالتنافس المحموم بين الصين وأميركا في المجالات كافة، وهي مسألة وصفها باقتدار الكاتب الفلسطيني إميل نعمة خوري في كتابه الدسم والمهم «صراعات الجيل الخامس»، ويتعمق بالقول إن تركيبة الإمبراطورية مختلفة، لأن تشريح هيكلها العظمي وشرايينها وأعصابها، وخاصة دماغها، يعتمد على القوة، وهو ما يحصل الآن بين الاثنين على الصعيد التقني، وخصوصاً صدمة حصول الصين على الجيل الخامس من تقنية الاتصالات قبل الولايات المتحدة تحديداً، والغرب عموماً، وفي لحظة من الممكن أن تكون شبيهة باللحظة السوفياتية التي سبقت أميركا بالدوران في الفضاء في صاروخ، وهو الذي جعل الرئيس الأميركي وقتها جون كيندي يعلن ويعد أن بلاده ستكون أول من سيهبط على سطح القمر، وقد كان لها ذلك. أميركا لن «تخمد» في مكانها، فهي اليوم لديها قناعة أن الصين سواء بالعمد أم بالإهمال أضرت بالعالم والمنظومة الاقتصادية فيه وأسلوب الحياة له. أما كيفية الرد والأسلوب الذي سيكون عليه، فهو غير معروف، إلا أن شارون واينبرغر في كتابها المثير «متخيلو الحرب» تعطي بعض الأفكار الممكنة. الكتاب يحكي عن وكالة في داخل وزارة الدفاع الأميركية باسم «داربا»؛ إنه المختبر الذي يخطط لحروب المستقبل عن طريق علماء غير معروفين يرتدون معاطف بيضاء بدلاً من لباس العسكر المموه، يحولون فيه الحشرات إلى أدوات سايبريةـ يصممون سفناً حربية بلا أطقم بشرية. كتاب مذهل لتصور مثير ومخيف.
ما «كورونا» إلا مشهد البداية في صراع الإمبراطورية القادمة.