يعد نظام الرصيد الاجتماعي الصيني جزءا من ادارة الحكومة للبلد الكبير من عدد سكانها ومساحتها الجغرافية.
. ويهدف نظام الرصيد في الصين في تعزيز السلوكيات الجيدة ويعاقب على السيئة من خلال نظام المكافأة والعقاب. إنه شكل جديد من أشكال الحوكمة في عالم اليوم الرقمي، وتوفر الحالة الصينية نافذة لاستشراف المستقبل في كيفية استخدام التقنيات الناشئة للتحكم في سلوكيات السكان والشركات.
أهداف نظام الرصيد الاجتماعي الصيني :
يهدف الرصيد الاجتماعي إلى تحقيق عدة أهداف. وفقًا للرئيس شي جين بينغ ، يتمثل أحد الأهداف العريضة في "جعل كل شيء مناسبًا للأشخاص الجديرين بالثقة ، وضمان عدم تمكن غير الجدير بالثقة من التحرك خطوة واحدة." كان الهدف الاساسي للنظام اقتصاديا، لانشاء سوق ائتمان قوي قادر على الإقراض والاقتراض للمساعدة في النمو الاقتصادي الصيني. وثم تطورت أهداف الرصيد الاجتماعي إلى بناء الشفافية في الاسواق من خلال إنفاذ اللوائح التشريعية ومكافحة الفساد ومن المنظور القانوني، يهدف إلى تعزيز نظامها القضائي من خلال ضمان وفاء الأفراد المحكوم عليهم بالاحكام القضائية.
ومن الضروري علينا ان ندرك بأن الثقافة الصينية تتأثر بالقيم ومفهوم تعاليم الكونفوشيوسة، والتي تركز بشكل كبير على الولاء والصدق والثقة، من بين أمور أخرى. يبدو أن الدولة الصينية تقوم بتسويق نظام الرصيد الاجتماعي حول الكونفوشيوسة كنظام لحماية القيم الصينية من الثقافات الاخرى في العالم.
والهدف الآخر لتعزيز قوة الصين الناعمة على المسرح الدولي. حيث قامت الصين بدمج نظام الرصيد الاجتماعي ضمن مبادرة الحزام والطريق. وهو ما يعني بأن الصين يمكنها الحصول على بيانات ضخمة من الدول التي وقعت على مبادرة الحزام والطريق، أكثر من ستين دولة، بما في ذلك مشاريع البنية التحتية التي سوف تقوم بها الشركات الصينية بأنشاءها، وسيكون النظام الاجتماعي الصيني الأداة لرصد هذه المشاريع خارج الصين. وبالتالي، سوف تتمكن الصين من جمع معلومات مهمة، وحساسه، عن هذه البلدان.
اخيرًا ، يعتبر نظام الرصيد منصة جديدة للحوكمة سوف يستخدمها العديد من البلدان في نهاية المطاف، خصوصا في عالمنا الرقمي، من اجل الرقابة الاجتماعية وصنع السياسات بكفاءة. فليس من المستغرب أن تستخدم الصين نظام الرصيد كوسيلة جديدة للحكم من أجل حماية أمنها واستقرارها.
هيكل نظام الرصيد الاجتماعي الصيني :
الصين تمتلك قدرات رقابية حكومية ضخمة في جميع أنحاء البلاد. حيث قامت الحكومة بتركيب كاميرات CCTV في جميع أنحاء الصين، وفرضت رقابة على الإنترنت من خلال جدار الحماية العظيم وقدرتها على جمع البيانات الضخمة والتنقيب عنها. وتشير بعض التقديرات إلى وجود أكثر من ستمائة مليون كاميرا للتعرف على الوجه في الصين لتحديد الأشخاص وتعقبهم. وفقًا لوسائل الإعلام الحكومية، من المتوقع أن تنفق الصين حوالي 30 مليار دولار على المراقبة.
بشكل ملخص، يعمل نظام الرصيد من خلال دمج بيانات من مختلف الوكالات الحكومية في منصة بيانات مركزية واحدة.
أولاً ، لدى كل فرد وشركة في الصين رمز اجتماعي للتعرف عليهم. وثم يتم تقيم الافراد والشركات على خمس فئات: تجارية، واجتماعية، وسياسية، وإدارية، وقضائية. بعد ذلك، تجمع نتائج الفئات الخمس من الوكالات الحكومية ومقدمي الخدمات غير الحكوميين ووسائل الإعلام والجمعيات الصناعية. وطورت الحكومة الصينية شراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا للحصول على تلك معلومات عن الافراد، وتعد شركة علي بابا واحدة من أكبر مزودي البيانات، حيث تراقب مشتريات الأفراد وعادات التسوق وتشارك جميع المعلومات مع الدولة لدمجها في الدرجات الاجتماعية الإجمالية.
وبعد جمع البيانات وحساب النتيجة الاجتماعية، يمكن وضع الأفراد والشركات إما في "القائمة السوداء" للحصول على درجات أقل أو "قائمة حمراء" للسلوك الجيد. على سبيل المثال ، يمكن وضع الشركات في "القائمة السوداء" لانتهاكها اللوائح أو الانخراط في سلوك مالي غير قانوني. و"القائمة الحمراء" تضم الشركات ذات السجلات النموذجية. ويمكن إدراج الشركات على أنها "كيانات غير موثوقة بشدة" إذا قامت بأي سلوك يعتبر تهديدًا للأمن القومي الصيني. وتختلف العقوبات بحسب الجرائم، وتشمل المزيد من عمليات التدقيق المالي الإضافية وزيادة التكاليف الجمركية ، ويمكن أن تمنع الشركات من استخدام وسائل النقل وحتى دخول أطفالهم إلى المدارس الخاصة، وتغيير نغمة هواتف الشركة إلى "أنا في القائمة السوداء". إذا تم إدراج الشركات في القائمة الحمراء، فيمكن لها الحصول على العديد من المزايا مثل الرسوم الجمركية المنخفضة والقروض منخفضة الفائدة.
الأمر نفسه ينطبق على الأفراد؛ ولكن المكافآت والعقوبات مختلفة. يتم إدراج الأشخاص في القائمة السوداء لفشلهم في سداد ديونهم وانتهاك قواعد المرور. وتشمل العقوبة منعهم من السفر عبر محطات القطار والطائرات، وكذلك الحصول على قروض مالية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن منع الأفراد من الإعانات الحكومية ، أو الوصول إلى أفضل مدارس وجامعات في الصين. وأخيرًا ، لن يحصل الأفراد المدرجون في القائمة السوداء على أي ألقاب فخرية لتعزيز مكانتهم الاجتماعية في المجتمع. أما الأفراد في القائمة الحمراء، فسيحصلون على العديد من المزايا مثل استئجار مسكن دون الحاجة إلى إيداع الأموال، والحصول على خصومات على فواتير الخدمات الحكومية والقروض بسعر فائدة أقل.
الجوانب الإيجابية لـ نظام الرصيد الاجتماعي :
يعزز نظام الرصيد الشفافية عبر مختلف الصناعات وتحسين جودة المنتجات والسلامة في الأسواق.
ثانيًا ، يوفر النظام أداة فعالة لإنفاذ القانون وضمان الوفاء بالالتزامات التعاقدية.
ثالثًا، من منظور ثقافي، يبدو أن نظام الرصيد الاجتماعي يسلط الضوء على القيم الصينية ويحميها بقيادة وادارة الحكومة.
رابعًا، يعد نظام الرصيد منصة جديدة للحوكمة وسوف يهيمن على العديد من الحكومات في من أجل سن السياسات الفعالة والرقابة الاجتماعية. والأهم من ذلك، أنها مرحلة لإعداد للصين نفسها لتكون قادرة على المنافسة في الثورة الصناعية الرابعة الجديدة داخليًا وعالميًا للحفاظ على مكانتها كقوة عالمية.
الجوانب السلبية لـ نظام الرصيد الاجتماعي الصيني :
فيما يتعلق بالجوانب السلبية، فإن بنية النظام ليست موحدة على المستوى الوطني في الصين، وموافقة الأفراد غير مطلوبة لجمع ومشاركة المعلومات الخاصة بهم. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد آلية لتقييم دقة البيانات التي يتم جمعها، والتي يمكن أن تضر الناس بشكل غير مبرر.وهناك قلق لدى العديد من الشركات الأجنبية بأن نظام الرصيد الاجتماعي الصيني يستخدم للتمييز ضدهم لأسباب سياسية واقتصادية. كذلك، الحصول على معلومات بخصوص عملياتها خارج الصين وملكيتها الفكرية. حيث يطلب نظام الرصيد الصيني من الشركات الكشف عن البياناتها التفصيلية وغيرها من المعلومات حول عملياتها وقدراتها للحكومة الصينية ، بما في ذلك بيانات IP المتعلقة ببراءات الاختراع وحقوق التأليف والنشر.
في النهاية، علينا ان ندرك بان نظام الرصيد الاجتماعي الصيني لن يكون حصريا في الصين فقط، دولا كثيرة سوف تطبق هذا النظام، فكل ما نفعل ونقوم به سوف يرصد، ويسجل ويحفظ سوءا وافقت على ذلك ام لم توافق، نموذجا كيف سوف تحكم الدول شعوبها في المستقبل القريب.