المتابع لأحداث المفاوضات الإيرانية والخمسة + واحد، يجد تناغم على طاولة الحوار في جنيف وانقلاب الحوثيين في صنعاء. فعندما كان يظهر وزير الخارجية الإيراني ظريف يبشر العالم بوجود تقدم في المفاوضات، ويظهر جون كيري ليأكد تلك التصريحات، كان الحوثي يحرز تقدما على الأرض، بتناغم يثير الشك، مع تقدم المفاوضات.
وقبل الوصول الى الاتفاق النووي الإيراني، كان الحوثي قد سيطر بشكل كامل على مؤسسات الدولة، وأرسل مقاتليه نحو مارب، البيضاء، شبوة، ولحج وعدن، وغيرها من المناطق. وهذا يدل بأن إيران والمجتمع الدولي يتفاوضون على تقسيم المنقطة.
وأؤمن بأن الاتفاق النووي الإيراني كان الضوء الأخضر لإيران بالتوغل في المنطقة وبمباركة من المجتمع الدولي. ومن التحليل السلوكي لإيران وأخواتها، فإنه يمكن قراءة نص الاتفاق بأن يتنازل الإيرانيون عن النووي بمقابل السيطرة على العواصم العربية الأربع، ودعم إيران بالمال والسلاح لمحاربة داعش آنذاك.
والآن يعود إلى البيت الأبيض الديموقراطيون، نفس الفريق الذي تفاوض معه الإيرانيون، يعود الديموقراطيون بنفس السياسات في عهد أوباما، وأولها العودة إلى الاتفاق القديم مع إيران. هذه المرة، إيران سوف تطلب المزيد، ونحن أهل المنطقة من سيدفع ذلك "المزيد"، من سيادتنا، ترابنا، ومواردنا. والأهم، من أمننا القومي.
لقد أعلنها الأمريكان مرارا وتكرارا بأنهم يغادرون الشرق الأوسط. وهذا هو الشي الثابت في عهد أوباما والرئيس ترامب. فقط واصل ترامب تخفيض الوجود العسكري في المنطقة، وهذا ما سيواصل جو بايدن العمل به. الأمن القومي الأمريكي أصبح أكثر تركيزا حول احتواء الصين، وليس إيران. ولكن؛ أمريكا لا تريد أن تغادر الشرق الأوسط كما فعلت بريطانيا وفرنسا في القرن الماضي؛ لهذا أي اتفاق مع ايران يكفي لأمريكا (الديموقراطيون) للخروج من المنطقة دون تحمل أي مسؤولية أخلاقية.
إن الخارطة الجيوسياسية تتغير بشكل واضح وجلي، وتحالفات جديدة تبنى وأخرى تُهدَم استعدادا لمغادرة أمريكا من المنطقة. هناك تحالف للدفاع عن المنطقة من أطماع إقليمية واضحة، وهناك تحالف آخر لتقاسم المنطقة. وهنا، أهمية اليمن في حسم الصراع بين تلك التحالفات الجديدة.
لهذ، إن الفرصة الأخيرة للحفاظ على الأمن القومي العربي، والخليجي بالذات، يبدأ من اليمن، حينما ينتهي الانقلاب في صنعاء. ليس الحسم العسكري هو المهم، فالمجتمع الدولي لن يسمح بذلك. ولكن الأهم، أن تثبت الحكومة الجديدة للشعب اليمني بأنها تمثله، دون تميز حزبي أو مناطقي. وعليها تحقيق مكاسب على الأرض، لأن المعركة القادمة ستكون على الجبهات الدبلوماسية، هي التي ستنهي الصراع، ولا أمل للشرعية بالرجوع إلى صنعاء بدون التحرير الكامل لمأرب، الجوف، البيضاء، تعز، إب،الحديدة، وحجة.
إن تنفيذ اتفاق الرياض المخرج الوحيد لنا كيمنيين لعودة حكم القانون ومؤسسات الدولة، والحفاظ على وحدة الوطن. حيث أن الاتفاق يشكل نواة الحل الشامل في اليمن، اتفاق يضم جميع المكونات، ويشرف على سحب القوات ودمجها في مؤسسات واحدة. وهذا ما سينتهي به الأمر في اليمن في نهاية المطاف.
ولكن؛ لاتفاق الرياض جانب آخر مهم، ففيه فرصة نادرة للعرب لأخذ المبادرة والحفاظ على الأمن القومي العربي، وسيادة العرب، وهوية المنطقة العربية.
ستكون 2021، أخطر مرحلة في رسم خريطة المنطقة، وعلينا التكاتف. فالخطر أكبر من ما يتوقعه البعض، وأحداثها المتقاطعة سيكون أثرها لعقود قادمة.