لا يمكن الجزم بما إن كان العام الحالي هو أسوأ أعوام الجمهورية الإسلامية في إيران، التي ابتليت بالسوء منذ الثورة التي أوصلت الخميني إلى الحكم.
لم أسمع أن للدول أبراجاً فلكية كما حال الأفراد. لو صحّ ذلك لتمنى المرء ألا يكون من برج الجمهورية الإسلامية في إيران هذا العام.
فلو كنتَ إيرانياً يعيش في إيران اليوم؛ لكانت محنتك تُختصر في محاولاتك اليائسة كل صباح لإيجاد منطق الأشياء والأحداث من حولك.
لو كنت إيرانياً اليوم؛ فعليك أن تُقنع نفسك بأن «العدو» الذي نجح في قتل الجنرال قاسم سليماني بعملية استخباراتية وأمنية وعسكرية فائقة الدقة، هو عدو مأزوم، ومتخبط، وأن العملية الناجحة هي الدليل الأبرز على أزمته.
وعليك أن تقنع نفسك وأنت تنظر في المرآة بأن الرد الإيراني الهزيل، هو رد مزلزل، وبداية نهاية استراتيجية في المنطقة لأميركا ودورها. وأن تتنعم كل يوم بالأخبار الواردة من واشنطن عن رضوض تعرض لها جنود أميركيون كانوا في قاعدة «عين الأسد»، أو ارتجاجات في الدماغ عانى منها آخرون، من دون أن يرتج دماغك من كثرة التفكير في الحجج المُثبتة لنصر بلادك وهزيمة أعدائك.
لو كنتَ إيرانياً؛ فعليك أن تتعايش مع الكذب المنظم الذي مارسته دولتك بشأن إسقاط الطائرة الأوكرانية المنكوبة، قبل أن يضطر النظام، ونتيجة خلافات داخلية ساخنة في أعلى هرمه، إلى الاعتراف بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة بصاروخ نتيجة خطأ في التقدير.
وعليك بعدها أن تدفن الأحبة وتواسي المحزونين وأن تكذب عليهم ويكذبوا عليك، لأن الكذب منجاة حين يعيش المرء في ظل نظام كنظام ولاية الفقيه.
الصدق هو المؤامرة، والحقيقة هي العدو المتربص.
لو كنت إيرانياً؛ فعليك أن تجوع، وألا تجد الدواء، وأن تسحقك العقوبات التي استدرجها سلوك دولتك الثوري، وأن تُمضي أمسيتك مستمعاً إلى نشرات الأخبار تنقل تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن فشل العقوبات وخيبتها، وعن الاكتفاء الذاتي، والاقتصاد المقاوم. الكذب منجاة؛ لا تنسَ. النظام نفسه يكذب. يكذب ويعرف أنه يكذب، ويعرف أنك تعرف أنه يكذب.
لو كنت إيرانياً؛ فعليك ألا تنتظر الكثير من دولتك حول فيروس «كورونا». ستسمعهم يتداولون أرقاماً قليلة. ستظن أن أرقامهم لا تشمل الفتى الذي شاهدته يسقط في الشارع، أو الرجل الذي انهار عند رصيف ساحة الثورة، ولا تحصي الإصابات التي تسمع عنها؛ عن أقارب في أرياف بعيدة، أو مسؤولين وشخصيات عامة، في دائرة النخبة السياسية والاجتماعية في بلادك...
ستحاول أن تقنع نفسك بأن ما يجري لا يعدو مؤامرةً تستهدف نجاح النموذج الثوري الإيراني، وفرادة العبقرية الخمينية. ستكذب على نفسك، كي لا تُضبط متلبساً وأنت تصارع لتتجاهل الحقيقة الماثلة أمامك. إياك والحقيقة؛ فهذه رجس من عمل الشيطان الأكبر وماكينة الفبركات والأخبار الكاذبة. ألم تسمع المرشد يحدثك عن تضخيم الأخبار حول «كورونا» لمنع الإيرانيين من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات؟ ألم تسمعه يطيل الشرح حول الفروقات بين الديمقراطية الأميركية المزيفة والديمقراطية الإيرانية الحقيقية؟
لو كنت إيرانياً اليوم؛ فعليك أن تخبر أولادك أن من محاسن الديمقراطية أن تقرر السلطة السياسية عنك من هم المرشحون الذين يسمح لك بأن تختار من بينهم. وعليك ألا تنهار غاضباً يائساً حاقداً وأنت تتفرج على مذيع أو معلق سياسي عربي ينقل للعالم العربي أخبار التفوق الإيراني ويبالغ في احتقار العرب، عبر شاشة تمولها دولتك، فيما أنت توظف كل ما لديك من علاقات وأموال رثة أكلها التضخم، للحصول على فيزا إلى دبي أو أبوظبي أو الرياض أو مسقط أو الكويت...
لو كنت إيرانياً؛ فستصارع لأن تقنع نفسك بجدوى تمويل ميليشيات شيعية عراقية ولبنانية وأفغانية وباكستانية، تقاتل في سوريا ضد تركيا لصالح شاربي الفودكا وبقية أنواع المنكر، تحت رايات القداسة... ستكذب على نفسك، وستتمنى أن تتوفر لديك سبل البحث على الإنترنت لمعرفة أي مقام مقدس في إدلب، فاتك وجوده، ويستوجب كل هذا الدم والمال وتبديد الرصيد السياسي وغير السياسي… وستكذب على نفسك وأنت تشاهد فتية في مقتبل العمر وقد سيّج أرواحهم اليأس، ما عادوا يعرفون لماذا يُقتلون ويَقتلون، لكنهم هناك «يكونون حيث يجب أن يكونوا»... هم يكذبون أيضاً... فالصدق يستوجب البكاء أمام أُمّ يعلم الابن أنها تنتظر عودته، كما بكى أحد المقاتلين بكاءً يكسر القلب... ستكذب وتقول إنه ليس منّا وإنه جبان وإننا لسنا كذلك، وإن الخوف أضل طريقه إلى قلوبنا وعقولنا...
لو كنت إيرانياً؛ فستكذب لأنك خائف مثله ولا تعرف مما تخاف أكثر؛ من نظام يكذب عليك... من مرض يتربص بك نتيجة الفشل الذي تعرفه عن بلدك وإمكانات بلدك ومستشفيات بلدك... من دولة تقيس نجاحها بحجم الإقبال على الجنازات وتتغافل عن ضآلة الإقبال على الانتخابات… من مصير أسود لأطفالك وأنت تبحث لهم عن طريق للهجرة حيث السماء قريبة والله يسمع الدعاء بلا مقامات مزخرفة وأضرحة تعيد ترسيم «أطلس الدم» في تاريخ الفتن...؟
لو كنت إيرانياً؛ فستكذب. ستكذب كثيراً كي لا تصاب بالجنون. وستقول إن العالم الافتراضي الذي يعيش النظام فيه انتصاراته ومجده وعزته، هو الحقيقة الوحيدة المتاحة لك في بلاد تفشل في إدارة كارثة صحية في مدينة متوسطة مثل قم، وتعلق في شوارع طهران جداريات للملك الفارسي قورش وللإمبراطورية الهائلة التي حكمها قبل الميلاد.