نظراً إلى ولع رجب طيب إردوغان، بالألاعيب السياسية، من الصعب معرفة مدى الجدية التي ينبغي التعامل بها مع طلب تركيا نشر بطاريات لمنظومة الدفاع الصاروخي الأميركي «باتريوت» على حدودها الجنوبية مع سوريا. وقد تم تقديم الطلب إلى جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، خلال الأسبوع الماضي. الهدف من استخدام صواريخ «باتريوت»، ظاهرياً، هو ردع أو عقاب القوات الجوية الروسية، التي توفر غطاءً جوياً لقوات بشار الأسد في المعركة حامية الوطيس التي تدور رحاها من أجل السيطرة على محافظة إدلب.
مع ذلك، هناك احتمال كبير أن يكون ذلك الطلب مجرد خدعة أو حيلة، وأن تكون هذه الرسالة موجهة إلى موسكو، لا واشنطن. ربما يريد إردوغان إخبار الرئيس فلاديمير بوتين، بأن العلاقات التركية - الروسية الجديدة في خطر بسبب إدلب.
الرمزية ليست غامضة، بدرجة كبيرة، فقد مثل قرار إردوغان بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية «إس 400»، خلال العام الماضي، بدلاً من منظومة «باتريوت» الأميركية، تحول تركيا بعيداً عن حلفائها في حلف شمال الأطلسي، والاقتراب من عدوهم؛ وربما يريد أن تعتقد موسكو أن التصرفات الروسية في إدلب سوف تدفع تركيا نحو العودة إلى الغرب مرة أخرى. إذا كان في الأمر حيلة فلن ينخدع بوتين بها على الأرجح، وينبغي أن تتحدى الولايات المتحدة، تركيا، لإثبات صدق نواياها.
يعلم الرئيس الروسي، الأكثر ذكاءً ومهارةً، جيداً، أن إردوغان لا يستطيع إخراج نفسه من علاقة استثمر فيها رأس مال سياسياً هائلاً، فروسيا بالفعل شريك اقتصادي رئيسي في مجالات متنوعة تشمل الطاقة، وتصل إلى السياحة. وقد تجاهل بوتين بالفعل خطاب إردوغان العدائي بشأن إدلب، وتضرب الطائرات الروسية مواقع تسيطر عليها تركيا وحلفاؤها في حركة التمرد السورية. ويوجد في إدلب، حسب تقديرات أنقرة، نحو 40 ألف مقاتل، إضافة إلى 20 ألف مقاتل إسلامي تابعين لتنظيم «القاعدة». ولا تميز روسيا كثيراً بين الاثنين، وتقول إن المدفعية التركية تدعمهم.
بعيداً عن الإصابات في صفوف الجماعات المقاتلة بالوكالة، تم قتل جنود أتراك نظاميين في المعركة، من بينهم اثنان في قصف جوي حدث بالأمس. وأعربت الولايات المتحدة عن دعمها للموقف التركي، لكن لم تنفذ إدارة ترمب أي ضربة عسكرية، سواء جوية أو برية. وصرح ترمب مؤخراً قائلاً «نعمل سوياً من أجل معرفة ما يمكن القيام به». وتسعى تركيا بطلبها من الولايات المتحدة نشر صواريخ «باتريوت» نحو الحصول على دعم أميركي على الأرض في خضم هذا الصراع القائم. ويعد هذا الطلب صعباً مع اقتراب الاستعداد للانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يرى ترمب أن «نجاحه» فيها مرتبط بخفض الوجود الأميركي على الأرض في سوريا. ربما لا تدعم الإحصاءات مزاعم الرئيس، لكنها تلقى صدى لدى قاعدته الانتخابية.
مع ذلك يبدو أن ترمب يحب إردوغان، فقد استجاب لطلباته في السابق، خصوصاً عندما تكون مقدمة مباشرة من رئيس إلى رئيس. ويمكنه كذلك تجاهل طلب نشر صواريخ «باتريوت»، لكن هل ينبغي على إردوغان، الذي يرد على الهجوم الروسي المتواصل على تركيا وعملائها، الاتصال هاتفياً بالبيت الأبيض؛ ربما، فكل شيء ممكن ومحتمل. إذا حدث ذلك، على ترمب وضع شروط صارمة خاصة بالصواريخ. ينبغي على تركيا الامتناع عن استخدام منظومة «إس 400» التي حصلت عليها، أو إعادتها إلى المُرسل، والاتفاق على عدم طلب المزيد. وينبغي على إردوغان الالتزام بمحادثات السلام مع القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، والتوقف عن التلويح بالتسبب في تدفق موجات من اللاجئين إلى أوروبا. إضافة إلى ذلك، ينبغي على ترمب دعوة الأوروبيين إلى تقديم مساعدة أكبر إلى تركيا، في ظل تسبب القتال في إدلب في نزوح مئات الآلاف من اللاجئين عبر الحدود.
إذا كان طلب تركيا الخاص بصواريخ «باتريوت» خدعة أو حيلة، سوف يرفض إردوغان تلك الطلبات، وسيكون عليه حينها البقاء في السرير الذي صنعه في سوريا. على الجانب الآخر، إذا كان يريد إعادة تركيا إلى أحضان الغرب مرة أخرى، قولاً وفعلاً، يجب أن يكون ثمن العودة موضحاً على بوابة الدخول.