عندما خسر الألمان في الحرب العالمية بدأوا يبحثون عن آلية يحسنون فيها آلية اختيار قادتهم. فكانوا من الرواد الذين استخدموا الاختبارات في انتقاء أفراد يتحلون بـ«صفات» قيادية. تبعهم علماء كبار في الولايات المتحدة بجمع شتات تلك الصفات وغيرها لتتراكم نظريات عدة أُطلق عليها فيما بعد «نظرية الرجل العظيم»؛ إذ كان يُعتقد أن أمر القيادة مرتبط بتوافر تلك «السمات العظيمة» التي تجعل منك قيادياً فذاً، غير أنه قد تبيّن لاحقاً أن القيادة مرتبطة بـ«سلوك – behavior» لا بصفات، ثم سرعان ما استقرت النظريات الحديثة على أن القيادة أقرب إلى «الموقف - situation»، إذ تقدّر قوة القائد بمدى حسن تعامله مع المواقف التي تعترضه.
وهذا الأمر يعكسه واقع الحال، فتجد أن أشهر رؤساء الشركات الكبرى في سوق وول ستريت ليسوا ممن يتحلون بالضرورة بـ«سمات» معينة. فما أكثر مَن يفتقرون إلى صفات مثل المقدرة على التحدث بطريقة ملهمة أمام الجمهور مثل رئيس شركة «أبل» الراحل ستيف جوبز، وخليفته، لكنهما يقودان باقتدار شركة تجاوزت أرباحها مداخيل بلدان عربية مجتمعة. وذلك بقيادة الموقف، الأمر الذي يتماشى مع ما توصل إليه العلم من أنه ليست هناك صفات محددة «تضمن» لك أن تكون قائداً فعالاً. ولو كان الأمر كذلك لألغت كل جامعات العالم ومعاهد تأهيل القيادات مناهجها وركزت على حفنة «سمات».
ورغم ذلك فإن الشائع أن العربي لديه عُقدة صفة الكاريزما لاعتقاد البعض أنها أهم صفة للقياديين. غير أن دراسة شهيرة وواسعة النطاق اسمها «مشروع غلوب» عندما درست أكثر من 60 دولة تَبيَّن أن تصورات العرب تجاه «كيف يجب أن تكون القيادة المثالية» قد خلت نقاطها الثلاث الأولى من الكاريزما، حيث حلّ في المرتبة الأولى تحلّي قائدهم بخصلة المقدرة على حمايتهم (self – protective) وتوفير الأمان لهم وحفظ ماء وجهه من الإخفاقات المرتبطة به أو بالعاملين معه، فضلاً عن «إنسانيته» ثم «استقلاليته». بخلاف الحال عن بريطانيا وأميركا اللتين كان الناس فيهما ينشدون في قائدهم الكاريزما في المقام الأول ثم «روح المشاركة» فـ«إنسانيته» ثم «تمحوره حول فريق العمل»، وخلت من «استقلاليته»، ربما لأنها أمر مفروغ منه في ثقافتهم. وقد يكمن السبب وراء تلك الاختلافات في أن كل شعب يبحث عما يفتقر إليه.
وبصورة عامة أوصلتنا النظريات الحديثة وواقع الحال إلى أن القيادة مرتبطة فعلياً بموقف المسؤول، وحسن تعامله، وتقديره لقراراته، ولمجريات الأحداث من حوله. ولذا فإن القياديين، في الواقع، بحاجة إلى «مهارات عصرية» تعينهم على حسن التعامل مع «المواقف» التي تعترضهم، والتي تزداد تعقيداً يوماً تلو آخر.