ستشعر حتما بالتوتر بمجرد الاطلاع على البيانات عن «مكتب التحليل الاقتصادي» التي تظهر أن معدل الادخار الشخصي في الولايات المتحدة قد انخفض في أكتوبر (تشرين الأول) إلى 2.3 بالمائة. إلى ماذا يشير هذا الانخفاض؟ منذ عام 1959، لم يبلغ معدل الادخار مثل هذا المستوى المتدني سوى في شهر واحد فقط. (كان ذلك في يوليو «تموز» 2005، عندما حدثت فقاعة أزمة الإسكان وانخفض معدل الإنفاق إلى 2.1 بالمائة). أنا لست بصدد توجيه نصائح أخلاقية بشأن الحد من الإسراف، خاصة في ذروة موسم التسوق الذي ترتفع فيه معدلات الشراء إلى ذروتها. لكنى سأشرح سبب أهمية ما ورد في الرسم البياني الصادر عن «مكتب التحليل الاقتصادي»: فقد أدى تراجع معدلات الادخار - والزيادة المماثلة في معدل الإنفاق - إلى زيادة أرباح المؤسسات التجارية. فقد أخذ الأميركيون الأجور التي يتقاضونها من الأعمال التجارية وضخوها كلها تقريبا مرة أخرى في القطاع التجاري عن طريق شراء السيارات والطعام ومستلزمات الأطفال. عندما تحقق الشركات أرباحا، فإنها توظف وتستثمر وتنتج المزيد، ومن ثَم ينتعش الاقتصاد. وتشرح مقدمة كتاب أعده «مركز جيروم ليفي للتنبؤ» أنه كلما انخفض معدل الادخار، زادت الأرباح. لكن معدل الادخار لا يمكن أن يستمر في الانخفاض إلى الأبد. ربما كان أكتوبر في الواقع هو الحضيض بعينه أو قريبا منه. فمعدل الادخار – الذي جرى تعريفه على أنه النسبة المئوية للدخل الشخصي المتاح (بعد الضريبة) الذي يتم توفيره - من المرجح أن ينتعش إلى خمسة بالمائة على الأقل بحلول نهاية عام 2023، وفقا لتقرير صدر في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) من قبل «مركز ليفي» الاقتصادي. أحد الأسباب التي جعلت المستهلكين يبالغون في الإنفاق بدلا من الادخار هو أنهم قاموا بتكوين حصيلة من المدخرات أثناء فترة الوباء. فقد كانت معدلات إنفاقهم أقل عندما كانوا عالقين في منزلهم، وحصلوا على 1.5 تريليون دولار في شكل شيكات تحفيزية ومساعدات أخرى. لكن هذه الحصيلة تتقلص، وفقا لتحليل حديث أجراه خبراء الاقتصاد في «بنك الاحتياطي الفيدرالي». «المدخرات الزائدة» في هذا السياق لا تعني «الإفراط»، بل تعني فقط أنها تخطت منحاها التاريخي. والخبر السار هو أن الأميركيين لا يزال لديهم مدخرات فائضة، والتي تشكل حاجزا ضد ارتفاع الأسعار وخطر فقدان الوظائف. لكن خبراء بنك الاحتياطي الفيدرالي مثل أوديتيا ألدونغي، وديفيد تشو، ولارا فيفسون كتبوا يقولون: «نتوقع أن تستمر المدخرات في التضاؤل سريعا بعد أن تراجع الدعم المالي الآن وعادت الأسر إلى الاعتماد على أرباح العمل وأي مدخرات متبقية لتمويل الإنفاق». بإمكانك تخيل سببين متعارضين لتراجع معدلات الادخار. التفسير المتفائل هو أن الناس يشعرون بالانتعاش الشديد لدرجة أنهم لا يشعرون بالحاجة إلى الادخار كالمعتاد. التفسير الأكثر قتامة هو أن الناس يعانون من أجل الحفاظ على مستوى معيشي لم يعد بإمكانهم توفيره. الواقع يقول إن هناك كلا النوعين من الأشخاص في هذا المزيج. أولئك الذين شعروا بالانتعاش سيشعرون بتراجع ذلك الإحساس. وأولئك الذين قللوا من الادخار للحفاظ على الإنفاق لن يتمكنوا من الاستمرار على هذه الحال إلى الأبد. خلص تقرير صدر في أكتوبر من قبل معهد «بنك أوف أميركا إنستيتيوت» والذي يدرس بيانات مجهولة المصدر لعملاء البنك، إلى أن تراجع المدخرات الفائضة كان يحدث بشكل أسرع بين الأسر ذات الدخل المنخفض. ووجد التقرير أنه لم تكن هناك قفزة كبيرة (حتى الآن) في نسبة الأسر التي يقل دخلها بدرجة كبيرة عن إنفاقها. وبحسب ديفيد تينسلي، كبير خبراء الاقتصاد في «بنك أوف أميركا إنستيتيوت»، إذا لم يتغير معدل التراجع الحالي، فستعود المبالغ في الحسابات الجارية وحسابات التوفير إلى وضعها الطبيعي في غضون عام تقريبا بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض، وسنتين أو ثلاث سنوات للأسر ذات الدخل المرتفع. بالنسبة للأسر ذات الدخل المرتفع، كان تصاعد الأسهم حتى نهاية عام 2021 أكثر أهمية بكثير من الشيكات التحفيزية، وفقا لمايكل إنجلوند، كبير خبراء الاقتصاد في مؤسسة «أكشن إيكونوميكس». وقد انخفضت الأسهم العام الحالي في الوقت نفسه الذي تضاءل فيه التحفيز المالي وارتفعت أسعار الفائدة. وبالنظر إلى كل هذه العوامل، بحسب حوار إنجلوند معي: «فإنني أفترض أننا الآن قريبون من الحضيض فيما يتعلق باستعداد المستهلكين لإنفاق أكثر مما يكسبون». وفي تقرير لشهر نوفمبر، كتب ديفيد ليفي، رئيس مركز ليفي، يقول إنه من «المضلل» الاعتقاد بأن المدخرات التي تراكمت خلال فترة الوباء ستكون متاحة لدعم الإنفاق حال تدهور الاقتصاد. واستطرد ليفي قائلا إن كثيرا من الأموال قد جرى استيعابها في مدخرات طويلة الأجل أو استخدامها لسداد الديون، وبالتالي لم تعد متوفرة على أنها «أموال إنفاق إضافية ذات تأثير كبير». أضاف ليفي يقول إن معدل الادخار يمكن أن يرتفع إلى 7 بالمائة العام المقبل، وهو ما سيكون تقريبا النسبة ذاتها التي تحققت في العقد المنتهي في عام 2019 وإن تراجع الإنفاق بهذا الحجم سيؤدي إلى «تراجع شديد في الأرباح بسبب الركود». وخلص ليفي إلى أن «الحقيقة هي أن الاقتصاد في مأزق دون وسيلة معقولة للخلاص».