نحن نقف على عتبات ثورة صناعية تكنولوجية رابعة وشاملة من شأنها أن تغيّر بشكل جذري الطريقة التي نعيش بها ونعمل ونتواصل عن طريقها مع بعضنا البعض. حجمًا ونطاقًا وتعقيدًا، سيكون التحول مختلفًا عن أي شيء شهدته البشرية من قبل.
يذكر أن الثورة الصناعية الأولى في أوروبا كانت حول الفحم والماء وطاقة البخار، حيث جلبت معها المحرك البخاري والابتكارات التي مكنت من تصنيع السلع والمنتجات على نطاق واسع، فلم يعد الناس يتركزون حول القرى والزراعة وصناعة السلع المحلية، بل توافد الناس على المدن للعمل في المصانع. وهي الثورة الصناعية التي مكنت الأوربيين من احتلال معظم بلدان العالم وفرض ثقافاتهم على شعوب العالم إلى يوما هذا.
بينما جاءت الثورة الصناعية الثانية مع اختراع الكهرباء ومكنت الإنتاج الضخم الذي يعود تاريخه من أواخر القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين، ومن هذه المرحلة ظهر محرك الاحتراق الداخلي، وبالتالي السيارة. وتميّزت هذه الفترة بزيادة استخدام الفولاذ والنفط في نهاية المطاف، وتسخير التيار الكهربائي.
أما الثورة الصناعية الثالثة فكانت تدور حول أجهزة الكمبيوتر. فمنذ الخمسينيات فصاعدًا، أتاحت أجهزة الكمبيوتر والأنظمة الرقمية طرقًا جديدة لمعالجة المعلومات ومشاركتها. الترانزستورات والمعالجات الدقيقة والروبوتات والأتمتة - ناهيك عن الإنترنت والاتصالات الجماهيرية - وهي الثورة الصناعية التي جعلت من أمريكا دولة عظمى في جميع المجلات بدون منافس، إلى ان ظهرت الصين حاليًا وبدأت بمنافسة واضحة في رسم الثورة الصناعية الرابعة.
فخلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دولاند ترامب، فرضت أمريكا عقوبات على شركة هواوي الصينية، وحذرت حلفائها من أخذ التكنولوجيا الصينية للجيل الخامس، 5G. لماذا؟
السبب الرئيسي لمحاربة أمريكا لهواوي يعود لخلفية وجودية، لأن 5G تعد البنية التحتية الأساسية للثورة الصناعية الرابعة. ومن يسيطر عليها، سيكون الأقوى اقتصاديًا، وأكثر نفوذًا عالميًا، سياسيًا، ثقافيًا، وعسكريًا. باختصار: هي منافسة وجودية حقيقية، تكون أو لا تكون!
بالمقارنة مع الثورات الصناعية السابقة، فإن الثورة الرابعة تتطور بوتيرة كبيرة ومتعددة الأوجه وليست ثابتة مقولبة. علاوة على ذلك، فهي تعطل كل صناعة تقريبًا في كل بلدان العالم. وينذر اتساع وعمق هذه التغييرات بتحول أنظمة الإنتاج والإدارة والحكم بأكملها.
ومن التكونياجيا الجديدة: الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والمركبات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمومية.
لكي أبسط تأثير الثورة الصناعية الرابعة في المستقبل، يمكننا أن نقول أنه يمكن للأقمار الصناعية مع تقنية الذكاء الاصطناعي معرفة إذا قمت بقطع وردة واحدة في حديقة بيتك، أو عدد السفن التي ترسو في أي ميناء في العالم، وما تحويه من حمولة بداخلها. لا سيادة لك على بيتك، ولا للحكومات على موانئ البلد.
ومع تقنية إنترنت الأشياء، جميع الأجهزة في بيتك يمكنها أن تتواصل مع العالم الخارجي بدون علمك. فالشركات ستعرف ماذا تفعل في بيتك بالتفصيل؟ ماذا تأكل؟ متى تنام؟ من يزور بيتك؟ ماذا تحب وماذا تكره؟ ستعرف كل شي عنك بضغطة زر، شئت أم أبيت! فهي نهاية الخصوصية الخاصة!
وخارج البيت سيستمر الأمر، فكيف سوف تعمل المركبات ذاتية القيادة؟ الفضل سيعود للذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء التي تمكن المركبات من التحدث مع بعضها البعض لتجنب الحوادث المرورية والوصول إلى وجهاتها المرغوبة. ولكن بالرغم من ذلك، فأنت لا تمتلك السيطرة الكاملة عليها، حيث يمكن للشركات تحريك سيارتك للوجهة التي تريدها هي لأي سبب تريده! تخيل معي الأشياء الاخرى التي يمكن ان تحدث!
حاليًا، الطائرات بدون طيار يتم التحكم بها عن بعد؛ ولكن مع الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات، سوف تحلق بذاتها دون أي تحكم بشري مطلقًا! وهذا ماتقوم به شركات إسرائيلية الآن! تخيّل القوة العسكرية من خلال هذه التكنولوجيا! لا حاجة للجنود لحماية الحدود ولا لشن هجمات عسكرية في المستقبل! الجيوش التي تتفاخر بعدد الجنود والدبابات والطائرات، لا يوجد لها تأثير في عالم الثورة الصناعية الرابعة!
المشكلة ليست فقط خاصة بالدول التي ستكون أكثر قوة وشراسة بسبب الثورة الصناعية؛ ولكن الشركات ستكون أقوى من جيوش بعض الدول وأقوى تاثيرًا على السياسات، جميع السياسات، في العالم.
فأين نحن كعرب من الثورة الصناعية الرابعة؟! لا موقع لنا مطلقًا! منشغلون كالعاده في صراعات داخلية لا تسمن ولا تغني من جوع. واذا بقينا على هذا النمط، فمصيرنا سيكون كالهنود الحمر في قارة أمريكا الشمالية والجنوبية. سيطلق علينا لقب السكان الأصليين؛ ولكن ستحكمنا الشركات التي تمتلك تلك التكنولوجيا! الشركات وليست دول!
نصيحتي للشباب أن يتخصّصوا في تلك. التكنولوجيات التي ذكرتها والتي تعتمد على البرمجيات وهندسة الاتصالات، فمصيرنا كعرب يعتمد عليهم بعد الله.