الصورة النمطية للمنافسة الصينية كانت تتمثل في صناعة نسخ رخيصة، لكن الحاجة إلى «التنمية عالية الجودة» تُعدّ جزءاً من نهج سياسة «صنع في الصين» لسنة 2025.
في شهر مارس، مر وفد من المستثمرين والمصرفيين السويديين، على مصانع وأحواض بناء سفن في الصين للمرة الأولى منذ الجائحة، لكن ما رأوه كان صادماً.
في جميع أنحاء الصين، حيث يتمتع المصنعون السويديون بحضور راسخ، كانت المنافسة من الشركات الصينية «شرسة»، أو حتى «وحشية»، بحسب ماتياس سوندلينج، كبير استراتيجيي الأسهم لدى «هاندلسبنكن».
وقال ماتياس: «لقد كانت الطريقة التي تمكنوا بها من اللحاق والتطور في عامين أو ثلاثة فقط مذهلة بالنسبة لنا، وكانت الصورة النمطية للمنافسة الصينية تتمثل في صناعة نسخ رخيصة، وأعتقد أن جرس الإنذار بالنسبة لنا أن الأمر لم يعد كذلك».
وتتغلغل المنافسة في جميع أنحاء الصين في المجالات كافة، من اختبارات المدارس الثانوية، وحتى حقوق امتياز شاي الفقاعات. والآن، وبعدما تجسدت في التوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، أصبح هذا بالمنافسة يمثل تحدياً للشركات العالمية.
والسيارات مجرد جزء من إطار عمل صناعي أوسع، اعتمدت عبره الاقتصادات المتقدمة على الصين عقوداً، مركز تصنيع رخيصاً وتعاونياً.
ويشمل الحضور السويدي في الصين عمالقة مثل أطلس كوبكو، أكبر موفر لضواغط الهواء، وكذلك ساندفيك لتصنيع معدات التعدين.
ولم تختفِ أواصر التعاون، وخاصة لدى الشركات الأجنبية التي يعمل فيها أعداد كبيرة من الصينيين، ولكن أُضيف إلى هذا الوضع ضغط تنافسي آخذ في الازدياد. وقال سوندلينج: «الشاهد أنك ستتعرض لخسائر شديدة إن لم تكن تنتج سلعاً عالية الجودة».
وركّزت الحكومات في أمريكا وأوروبا كثيراً على الحاجة لـ«إزالة الأخطار» عن سلاسل التوريد، مبتعدة عن الصين بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والإغلاقات واسعة النطاق عقب تفشي الجائحة..
ولكن كلما ازدادت تنافسية البر الصيني، ازدادت صعوبة مغادرة المصنعين الدوليين ميدان المعركة، وافتتحت «فولكسفاجن» في نهاية سنة 2020 مركزاً للبحوث والتطوير في مقاطعة آنهوي، وتمتلك حصة كبيرة في شركة غوشوان لتصنيع البطاريات.
وأكّدت الشركات الصناعية، القديمة منها والحديثة، مراراً وتكراراً، الحاجة للحضور في الصين للأغراض البحثية وكذلك للوصول إلى سوقها الكبيرة.
وتستهدف ويندروز تكنولوجي، وهي شركة ناشئة لتصنيع الشاحنات الكهربائية أنتجت 13 مركبة حتى الآن، إدراج أسهمها في الولايات المتحدة، ولكنها تعتمد على شركائها في البر الصيني، ومن ذلك «جاك غروب» المملوكة للدولة لأغراض التصنيع.
وقال وين هان، مؤسس «ويندروز»: «من مُنطلق كوني مصنعاً للمركبات الكهربائية، فإن لم تكن مرتبطاً بالصين وتظاهرت بأنك تصنع أفضل شاحنة في فضاء المركبات الكهربائية على مستوى العالم، فلن يصدقك أحد».
وأضاف: «إذا أخبرت الناس أني شركة ناشئة أسترالية للمركبات الكهربائية فمن المُحتمل أنهم لن يصدقوني، وإذا أخبرتهم أني شركة ناشئة بريطانية للمركبات الكهربائية، لن يصدقوني أيضاً».
وفي حين أن الصين معقل للتنافسية في بعض النواحي، ولكن طبيعة نموذجها الصناعي تختلف اختلافاً شديداً عن النموذج الذي تتبعه الولايات المتحدة وأوروبا، وتُعد الحاجة إلى «التنمية عالية الجودة» جزءاً من نهج في سياسة «صنع في الصين» لسنة 2025، وصارت العبارة الأكثر ترديداً من الرئيس شي جين بينغ العام الماضي.
وأجرت المفوضية الأوروبية هذا الأسبوع تحديثاً على وثيقة سياسية تعود إلى سنة 2017 عن التشوهات التجارية الصينية.
والتي حددت مجالات مختلفة، مثل الطاقة والتمويل، فيتم قمع المنافسة على الصعيدين المحلي ولأي شركة أجنبية تأمل التوسع.
وتطرق التقرير أيضاً إلى المنافسة ذات الخواص الصينية. وفي الصين، بحسب التقرير: «تبدو المقاطعات والمدن الكبرى ضالعة في التنافس في ما بينها على صانعي المركبات الكهربائية، ولاجتذاب التوظيف والإيرادات وانتباه الحكومة المركزية».
ومن الصعب الوقوف على دور الدولة في الصين، مقارنة بالقواعد التي تحكمها الشفافة التامة في الاقتصادات الغربية، وعادة ما لا تخوض الشركات الصينية في التساؤلات عن علاقاتها بالحكومة،.
ولكن وفقاً لما نشره تقرير الاتحاد الأوروبي في 700 صفحة، فإن هذه العلاقات منتشرة على نطاق واسع.
وإذا تزايدت المنافسة مع الشركات الصينية على نحو أكبر، سيتزايد أيضاً التدقيق السياسي في علاقة الصين بالتجارة الدولية. ومع ذلك، تسارع الشركات من كل أنحاء أوروبا والولايات المتحدة نحو تعزيز فهمها طبيعة تلك المنافسة.
ولم يستثمر غالبية المشاركين في الرحلة السويدية في الصين على نحو مباشر، ولكنهم شعروا بالحاجة لذلك؛ بسبب حيازاتهم في سوق الأسهم المحلية.
وقال سوندلينغ: «الشركات في بلدان الشمال الأوروبي، وخاصة في قطاع التصنيع، منكشفة للغاية (على الصين)، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة»، وأضاف: «خضنا الكثير من النقاشات والاجتماعات بعودتنا من هناك».