الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - اخبار اليمن و الخليج - السعودية وإيران.. سياسة الصبر الاستراتيجي!

السعودية وإيران.. سياسة الصبر الاستراتيجي!

الساعة 07:42 مساءً

شهد شهر يونيو 1984 حدثاً مهماً عندما اخترقت مجموعة من الطائرات الحربية الإيرانية، المجال الجوي السعودي، فتصدت لها القوات السعودية، وأسقطت عدداً منها، واضعة بذلك حداً للانتهاكات الإيرانية!

لم تكن تلك المرة الأولى التي تخطت فيها المقاتلات الإيرانية الحدود السعودية، فقد سبق ذلك أكثر من طلعة جوية "استفزازية"، قابلتها السعودية بالتحذير وإرسال الرسائل إلى الساسة في إيران، أن الرياض لن تقبل بتكرار مثل هذه الأفعال غير القانونية، والمناقضة للاتفاقات والأعراف الدولية.

تعبيرية

 

الرد السعودي!

الإيرانيون المنتشون بخطاب الثورة الفتية، والذين يخوضون حرباً مع العراق، اعتقدوا أن المملكة العربية السعودية ليست بجادة في الرد على طلعاتهم الجوية، وأن الرياض لن تغامر بأن تضرب الطائرات الحربية الإيرانية، إلا أن ما حدث في يونيو 1984 أثبت لهم خطأ تصورهم.

السعودية أعلنت عن إسقاط طائرتين إيرانيتين رغم أن العدد كان أكبر، إلا أن الراحل الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، أمر بالإعلان عن إسقاط طائرتين حربيتين فقط، وعندما سأله البعض عن السبب، قال "الإيرانيون يعرفون كم طائرة خسروا، ونحن نعرف كم طائرة أسقطنا"، لقد كان هدف الملك فهد بن عبد العزيز أن "يوصل رسالة قوية للإيرانيين بأن الانتهاكات المستمرة ليست مقبولة، وأن المملكة سترد عليها بشكل حاسم، وفي ذات الوقت أراد أن يبقي باباً مفتوحاً للحوار والتواصل"، يقول مصدر خليجي تحدثت معه "العربية.نت"، مضيفاً "لقد كانت هذه استراتيجية فهد بن عبد العزيز، القائمة على عدم غلق الأبواب بالكامل، وعلى أن تكون هنالك نافذة مفتوحة أمام الدبلوماسية والتواصل والحلول السلمية".

الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود

الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود

وبذلك، تكون السعودية قد حمت أمنها القومي بطريقة علنية ورادعة، وكما علق حينها السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان آل سعود، قائلاً "تم انتهاك سيادتنا وقمنا برد فعل. نعتقد أنه من المؤسف أن يتم جرنا إلى هذا الصراع"، مضيفاً "نحن مصممون على الدفاع عن بلدنا، ومن غير المقبول أن تتعرّض مصالحنا للهجوم".

الأمير بندر بن سلطان آل سعود

الأمير بندر بن سلطان آل سعود

استمرار العلاقات!

من هذا المبدأ القائم على التوازن بين القوة والدبلوماسية، أبقت السعودية على تواجد طاقم سفارتها في العاصمة الإيرانية طهران، وكذلك السفارة الإيرانية في الرياض، ولم تقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، رغم التوتر الكبير الذي شابها، حتى جاءت أحداث حج العام 1987، والتي أدت إلى مقتل 402 شخصا، من بينهم 85 مواطناً ورجل أمن سعوديا، و42 من بقية الحجاج. أما المصابون فبلغ عددهم 649 جريحاً، من بينهم 145 رجل أمن ومواطنا، و201 حاج غير إيراني.

مسيراتُ الحج!

الأحداث الأليمة وقعت بعد المواجهات التي حصلت بين الحجاج الإيرانيين وقوات الأمن السعودي، إثر مسيرة "البراءة من المشركين" التي تنظمها بعثة الحج الإيرانية، وترفع فيها شعارات سياسية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية، وهي الشعارات التي تعتبرها المملكة منافية لأهداف الحج التعبدية.

مسيرات إيرانية سياسية في موسم الحج

مسيرات إيرانية سياسية في موسم الحج

"العربية.نت" وفي حديث مع مصدر خليجي عليم، قال "لم يرد أحدٌ أن يشهد موسم الحج أي أحداث أو تسقط فيه ضحايا. ولذا، كان موقف المملكة واضحاً وصريحاً ضد تسييس شعيرة الحج، وأن الموسم هو للعبادة فقط"، مضيفاً "طوال سنوات كانت السعودية تتواصل مع الحكومة الإيرانية، وتتحدث معها حول المسيرات السياسية في الحج، وتوضح لها أن ذلك سلوك غير مقبول، وأن أي دولة لا تقبل أن تقيم حكومة خارجية مسيرة في أرضها، فكيف تقبل المملكة بذلك؟"، إلا أن "السعودية رغم ذلك، كانت مرنة ومارست ضبط النفس حتى أقصى حد، واتفقت مع الإيرانيين أن تنظم المراسم الخاصة بهم في أماكن إقامة البعثة الرسمية الإيرانية وفي المخيمات المحددة، إلا أن الإيرانيين لم يلتزموا بذلك للأسف الشديد"، بحسب المصدر الذي تحدث لـ"العربية.نت".

حجاج إيرانيون يتظاهرون بعد صلاة الجمعة حول المسجد الحرام في مكة المكرمة - إرشيفية

حجاج إيرانيون يتظاهرون بعد صلاة الجمعة حول المسجد الحرام في مكة المكرمة - إرشيفية

توريط الحجاج!

بالعودة إلى ما قبل العام 1987، وتحديداً العام 1986، حيث أوقفت السلطات الأمنية السعودية مجموعة من الحجاج الإيرانيين، بعد أن اكتشفت مواد متفجرة مخبأة في حقائبهم، بلغ وزنها نحو 51 كجم من مادة C4 شديدة الانفجار، ضُبطت في مخابئ سرية في 95 حقيبة.

المثير في الحدث، كما يروي مصدر مطلع لـ"العربية.نت"، أن "المواد المتفجرة كانت مخبأة في حقائب الحجاج الإيرانيين دون علمهم"، مبيناً أن "الحجاج كانوا قد سلموا الحقائب إلى البعثات التي التحقوا بها قبل سفرهم، ليقوم الحرس الثوري الإيراني تالياً بتخبئة المتفجرات فيها دون معرفة الحجاج بذلك، وهو الأمر الذي سبب صدمة للحجاج الإيرانيين ذاتهم، واكتشفته السلطات السعودية أثناء التحقيقات"، وعلى الأغلب كانت المواد المتفجرة ستستخدم في ضرب أهداف حيوية في الداخل السعودي، من خلال التنسيق مع مجموعة من الأفراد و"الخلايا النائمة" التي على صلة مع "الحرس الثوري" الإيراني.

المصدرُ يضيف "كيف يمكن الوثوق بنظام لا يتورع عن توريط مواطنيه، واستغلالهم دون علمهم في تهريب مواد متفجرة، وفي موسم الحج".

 

 

قطع العلاقات!

لقد كانت أحداث حج العام 1987 نقطة حاسمة في العلاقات السعودية – الإيرانية، حيث وبُعيد موسم الحج مباشرة، هاجمت مجموعة كبيرة من المتظاهرين مبنى السفارة السعودية في إيران، وقامت باقتحامه والاعتداء على أفراد البعثة الدبلوماسية، ومن ثم قام المتظاهرون المدعومون من "الحرس الثوري" بإنزال العلم السعودي ورفع العلم الإيراني.

هذه التطورات المتسارعة دفعت الرياض إلى اتخاذ إجراءات من أجل الحفاظ على سلامة مواطنيها العاملين في السفارة بالعاصمة الإيرانية طهران وإعادتهم إلى أرض المملكة، وفي ذات الوقت عملت على طرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية من السعودية، وقطع العلاقات بين البلدين، وهو الأمر الذي "أتى بعد صبر طويل، وبعد أن استنفذت المملكة مختلف الطرق السلمية مع إيران، التي لم تفهم الرسائل السعودية بشكل صحيح، واعتقدت أنه باستطاعتها أن تفعل ما تريد قبل أن تثبت لها المملكة أن حسابات إيران كانت خاطئة"، كما يقول مصدر خليجي لـ"العربية.نت".