"العراق والسعودية قادران على خلق هذا المحور ليكون نقطة ارتكاز في المنطقة والعالم، ونحن جادّون في ذلك. أنا كان لديَّ حديث مع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ووجدته متجاوباً كالعادة ومتقدماً لتحقيق هذا الهدف بكل وضوح ورغبة جادة. وضعنا جدول أعمال بيننا، في أثناء مشاركتي في القمة العربية - الصينية، لزيارات متبادلة"، كانت تلك إجابة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عندما سأله رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط"، غسان شربل: هل تستطيعون مع السعودية التأسيس لمحور إقليمي يكون مرتكزاً للاستقرار في المنطقة والعالم؟
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني
الشراكة الأوسع
الحوار الذي نشرته "الشرق الأوسط"، في 9 فبراير الجاري، ركز فيه السوداني على العلاقات بين الرياض وبغداد، وأهمية تعزيزها، وتحويل التفاهمات والاتفاقيات الموقعة بين الدولتين إلى مشاريع عمل على أرض الواقع. بل، يتضح من جوابه أعلاه، رغبة حكومته في التحالف مع السعودية، باعتبار "ثقل العراق والسعودية على المستوى الإسلامي والعربي والاقتصادي، والجغرافيا والمشتركات التي بيننا، التي من الممكن بسهولة أن نكوّن محوراً سياسياً اقتصادياً مرتكزاً في المنطقة، ويؤسس لنظام إقليمي مستقر ويكون دعامة من دعامات الاستقرار في العالم".
مادة اعلانية
السوداني إذن ينطلق من مبدأ التعاون والشراكة بين الدول، عبر التركيز على الأمن والمصالح المشتركة ونقاط الالتقاء وعناصر القوة المشتركة بين البلدين، وأيضاً لمعرفته بما تمثله السعودية من وزنٍ سياسي وروحي في العالم الإسلامي، فهو في حواره أشار إلى أنه "على المستوى السياسي، السعودية اليوم دورها مهم"، ضارباً مثالاً بـ"مؤتمر القمة العربية – الصينية"، والذي كان بحسب رأيه "خطوة في الاتجاه الصحيح، ومهم لنا كعرب ودول المنطقة".
من يقرأ تصريحات رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، يجدها متناغمة مع ما أدلى به وزير الخارجية فؤاد حسين، أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان في العاصمة العراقية بغداد، حين قال إن "السعودية كدولة قائدة في الإطار الإسلامي تلعب دوراً مهماً في هذا المجال".
هذا التأكيد على الدور المحوري والرئيس للسعودية للعالم الإسلامي، من رئيس الوزراء العراقي ووزير خارجيته، هو موقف لا يعجب بعض أعضاء "الإطار التنسيقي"، وهو التحالف السياسي الذي دعم محمد شياع السوداني ليكون رئيساً للوزراء، ويضم مجموعة أحزاب وشخصيات أغلبها على صلات وثيقة مع الحكومة الإيرانية وأيضاً مع "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري"، إلا أنه يبدو أن الرئيس السوداني لديه رؤية أكثر واقعية من شركائه في "الإطار" وينوي العمل على تطبيقها، وترتكز على "خفض التوترات وإطفاء الأزمات في المنطقة، لأننا نرفع شعار التنمية، والتنمية تحتاج إلى استقرار"، وفق ما جاء في حوار "الشرق الأوسط".
من لقاء جمع الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي ونظيره العراقي فؤاد محمد حسين
حيوية سعودية
قُبيل الحوار مع "الشرق الأوسط"، وفي الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء السعودي، الذي عقد برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، أشاد المجلس بـ"تميز العلاقات الثنائية مع جمهورية العراق، مجدداً التأكيد على دعم المملكة للجهود التي تبذلها الحكومة العراقية الرامية إلى تحقيق الاستدامة في النمو والازدهار في بلادها ولشعبها الشقيق"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية.
هذه الإيجابية السعودية، أعقبتها زيارة قام بها وزير الحج توفيق الربيعة، رفقة وفدٍ مختصٍ إلى العاصمة العراقية بغداد، 9 فبراير الجاري، التقى خلالها رئيس الجمهورية عبداللطيف جمال رشيد، وعدداً من المسؤولين.
الربيعة وخلال مؤتمر صحافي رحب بـ" قدوم 33,690 حاجا من جمهورية العراق الشقيقة، ضمن مليوني حاج تستعد المملكة لاستقبالهم خلال موسم الحج للعام الحالي". كما أشار الربيعة إلى "عملية التطوير التي يشهدها منفذ "جديدة عرعر"، والذي استقبل خلال الشهور الماضية أكثر من 300 ألف معتمر من جمهورية العراق".
زيارة الوزير الربيعة للعراق، جاءت بُعيد زيارة قام بها وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، والذي قال في مؤتمر صحافي عقده في 2 فبراير الجاري، إن "المملكة والعراق تعملان بخطى وثيقة على استمرار الزخم في العلاقات الثنائية، وتعميق التنسيق والتعاون خاصةً في الجانب الاقتصادي والتنموي"، مبدياً استعداد الشركات السعودية للاستثمار في العراق من أجل دعم الاقتصاد العراقي، بحسب ما نقلته وكالات الأنباء.
استقرارُ الإقليم
الأمير فيصل بن فرحان، ومن خلال زيارته للعاصمة بغداد، والمحادثات التي عقدها مع رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وكذلك لقائه برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ووزير الخارجية فؤاد حسين، عبر هذه اللقاءات كافة، ترسخ السعودية سياستها الملتزمة باستقرار العراق والإقليم، كونها تؤمن بأن أي خلل في العلاقات العراقية – العربية، ستكون له آثار سلبية على الخليج العربي بأكمله، وسيدفع نحو إضعاف "الحكومة المركزية" في العراق، ما يعني زيادة نفوذ الميليشيات المسلحة، وتحول البلاد إلى ساحة للخلايا "الإرهابية" التي تهدد أمن السعودية والعراق معاً.
هذه العلاقة لا تريد منها السعودية الاستحواذ على القرار العراقي، بل، أن تكون هنالك حكومة مستقلة قوية وسيدةُ قرارها، بعيدة عن تأثير أي طرف خارجي.
الرياض وعلى لسان وزير الخارجية فيصل بن فرحان، أكدت على الدور المحوري للعراق في الإقليم، قائلاً "يلعب العراق دورا أساسيا ومهما في تعزيز الاستقرار، ونعمل معاً بتنسيق وثيق لدفع عملية الاستقرار في المنطقة من خلال الحوار ومن خلال تعزيز المصالح المشتركة، ومعالجة أي أوجه خلاف"، مضيفاً "بدون الاستقرار لن نستطيع أن نحقق الرخاء الذي نسعى إليه".
إذن "الاستقرار" هو هدف أولٌ ورئيسيٌ مبتغى من العلاقات بين العاصمتين الإقليميتين المهمتين الرياض وبغداد، وهذا الهدف يجري العمل على تحقيقه عبر بناء الثقة، والدبلوماسية التواصلية، لأن ذلك هو الطريق الأقل كلفة والأكثر ديمومة.