انتقل إلى رحمة الله تعالى اليوم الخميس، معالي محمد سعيد الملا، الوزير الأسبق، ورجل الأعمال البارز، ونعاه معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، معدداً مآثره وخصاله، وأنه أحد رجال الإمارات المخلصين الذين عملوا بجد على تحقيق رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان وإخوانه حكام الاتحاد، مشيراُ إلى ان الإمارات فقدت برحيله قامة وطنية خدمت بلادها بكل صدق ووفاء.
من جهة أخرى ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بخبر رحيل معالي محمد سعيد راشد الملا، رحمه الله، بعد حياة حافلة بالعطاء، عاصر فيها تحولات دولة الإمارات. وسيتم تشييع جثمانه يوم الخميس 2 فبراير 2023 بعد صلاة العصر بمقبرة القوز بدبي.
شغل الملا منصب وزير دولة سابق ورجل أعمال ويعد من بين رجالات الإمارات الأوائل الذين عاصروا تحولات مدينة دبي، وكان شاهداً على تطوراتها الباعثة للدهشة إبان تحولها لمركز جذب ومقصداً يجذب أنظار وأفئدة العالم. ناهيك عن دعمه خلال حياته لكثيرين من الشباب خلال مسيرتهم بمجال المال والأعمال، وذلك من منطلق خدمة وحب الوطن.
ولد الراحل في مدينة دبي، وقد كان أول رئيس لمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة دبي، وله دور بارز في تأسيس أول مصرف وطني بالمشاركة مع عدد من تجار دبي البارزين، فضلاً عن شغله منصب وزير المواصلات.
بنك دبي الوطني
وفقاً لصفحة متخصصة منشورة في صحيفة البيان بعنوان " محمد سعيد الملا.. رجل من بناة الإمارات الأوائل"، وثق د.عبدالله المدني عدة شهادات في مسيرة الملا، ليشير إلى أن الأخير وتحديداً في عام 1963، قد ضلع بدور بارز في تأسيس أول مصرف وطني بالمشاركة مع عدد من تجار الإمارة البارزين آنذاك، لينطلق (بنك دبي الوطني) الذي لم يكن قد سبقه لجهة العمل المصرفي في دبي سوى فرع للبنك البريطاني كان قد بدأ نشاطه في عام 1946.
وعن ظروف تأسيس المصرف، قال ناصر بن عبداللطيف السركال (طبقاً لما كتبه الدكتور محمد فارس الفارس في صحيفة «الخليج» بتاريخ 30 /10/2014): «في عام 1963 زارني علي بن عبدالله العويس بصحبة محمد سعيد الملا، وأخبراني أنهما قررا إنشاء بنك وطني في دبي برأسمال قدره مليون جنيه استرليني، أي ما يساوي 14 مليوناً و500 ألف روبية، وطلبا مني الانضمام إليهما والمساهمة في المشروع، وكذلك السعي لإقناع التجار المحليين للمساهمة فيه، وتمكنت من إقناع عدد من التجار المعروفين للمساهمة معنا، وبذلك تأسس بنك دبي الوطني المحدود بمرسوم من الشيخ راشد بن سعيد حاكم دبي، رحمه الله".
دور حيوي
عام 1965، اختير الملا ليكون أول رئيس لمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة دبي، التي تأسست في تلك السنة من أجل لعب دور حيوي في تحسين مناخ الأعمال ودعم وحماية مصالح مجتمع الأعمال في الإمارة. ويعتبر الملا أيضاً من مؤسسي «بريد دبي»، الذي قام بإصدار أول مجموعة طوابع بريدية باسم الإمارات المتصالحة في يناير 1961. ومن ناحية أخرى يعتبر الملا من مؤسسي شركة الإمارات للاتصالات (اتصالات) التي أنشأت في 30 أغسطس 1976 وكان أول رئيس لمجلس إدارتها.
تعاظم المسؤوليات
بعد إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، كان الملا على موعد مع مسؤولية أكبر؛ ففي أول تشكيل وزاري في الدولة برئاسة المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رحمه الله، عهد إليه بحقيبة وزارة الدولة لشؤون الاتحاد والخليج وحقيبة الكهرباء بالوكالة. أما في التشكيل الوزاري الثاني في عام 1973 وكان أيضاً برئاسة المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، فقد أسندت إليه حقيبة المواصلات. وحينما أعاد المغفور له الشيخ مكتوم تشكيل الحكومة الاتحادية للمرة الثالثة في عام 1977 أبقى على الملا وزيراً للمواصلات، وكذا فعل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، في عام 1979 حينما ترأس الحكومة الاتحادية الرابعة. واحتفظ الملا بالحقيبة الوزارية ذاتها في التشكيل الخامس سنة 1990 برئاسة الشيخ مكتوم، وقد ظل حاملاً لمسؤوليات حقيبة المواصلات من عام 1973 إلى عام 1997 كما ظل رئيساً لمجلس إدارة مواصلات الإمارات من عام 1981 وحتى 1997.
الدستور
في الثاني من مايو عام 1975 أصدر المغفور له الشيخ زايد بصفته رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة القرار رقم 2 لسنة 1975 والقاضي بتشكيل لجنة تأسيسية لإعداد مشروع الدستور الدائم للدولة. وجاءت في المادة الأولى من القرار أسماء أعضاء اللجنة التأسيسية وكانوا 28 شخصية من شخصيات البلاد ذات المكانة الرفيعة والكفاءة المشهودة والتاريخ الوطني الناصع. وقد كان اسم محمد سعيد الملا بين تلك الأسماء. وبذلك، ساهم الملا أيضاً في صياغة تشريعات الدولة من خلال إعداد دستور يليق بها وبطموحاتها بالاشتراك مع آخرين من رجالات دولة الإمارات.
سيرة
بدأ الراحل محمد سعيد الملا حياته العملية في الإتجار بالذهب مع الهند، على عادة الكثيرين من أبناء الخليج العربي في حقب الثلاثينات والأربعينات والخمسينات، ثم عمل مقاولاً في قطاع البناء ووالتشييد والإنشاءات من خلال شركة أنشأها في أبوظبي منتصف ستينات القرن العشرين، وبفضل جهوده وإتقان العاملين معه لجهة تنفيذ المشاريع الموكلة إليهم بدقة وجودة عالية، وذاع صيته وتحسنت أحواله المادية وصار مقرباً من القيادة الرشيدة بدليل إسناد مهمة بناء أول قصر للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان في مدينة العين إلى شركته.
قرّر الملا عام 1978 أن يتفرغ لأعماله الخاصة بمشاركة أبنائه، فصدر في 1 فبراير 1978 مرسوم من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، بالموافقة على تأسيس شركة مساهمة محدودة المسؤولية باسم «شركة محمد سعيد الملا وأولاده الخصوصية المحدودة» برأس مال 500 مليون درهم، مقسمة إلى 500 ألف سهم قيمة كل منها 1000 درهم. وكانت الأغراض الرئيسة لها «القيام بتملك الحصص والأسهم في الشركات الأخرى والاشتغال بأي تجارة أو أعمال أخرى مهما كان نوعها». فراح هذا الكيان التجاري ينمو ويتوسع وينوع مجالات استثماراته وأعماله تحت إدارة مؤسسه الملا وأولاده، الذين تخرجوا في أرقى الجامعات الأمريكية بتخصصات الهندسة وإدارة الأعمال وغيرها واكتسبوا الخبرات العملية في القطاعين العام والخاص، حتى تحول ذلك الكيان إلى «مجموعة الملا القابضة».