ظهر مؤخراً مصطلح جديد ما زال قيد المناقشة، يأمل الجميع أن يحدث، وهو: «Pandexit» ويعني (الخروج من الجائحة). ويلخص هذا المصطلح المركب فكرة متفائلة مفادها أننا نستطيع قريباً أن نأمل في تجاوز جائحة فيروس كورونا.
ولا شك أن العواقب الاقتصادية الأولية المترتبة على العودة إلى التفاعلات الاجتماعية الطبيعية ستكون إيجابية، وتشير تقديرات الباحثين في بنك التسويات الدولية إلى أن الجائحة تسببت في خسارة 8% من الناتج في البلدان المتقدمة في عام 2020، مع توقعات انخفاض إضافي بما يزيد قليلاً عن 2% هذا العام.
ويجب أن يؤدي تخفيف القيود المفروضة على السفر وغير ذلك من القيود إلى التعافي القوي في عام 2022، وإن كان نطاق هذا التعافي سيكون متفاوتاً بدرجة كبيرة بين البلدان اعتماداً على معدلات الإصابة بالعدوى والتطعيم، وبالطبع، قد تُـفـضي زيادة عامة في حالات العدوى أو عودة العدوى إلى اندلاع موجة ثالثة من الآلام الاقتصادية إذا استلزم الأمر فرض المزيد من القيود على الأنشطة.
وعلاوة على ذلك، لن تكون كل الفوائد الاقتصادية المترتبة على الخروج من الجائحة خالصة من الشوائب. فالقائمون على البنوك المركزية، بدأ القلق يساورهم بالفعل. فرغم أن السيناريو الاقتصادي الأساسي الذي يتصورونه إيجابي، فإنهم يرون مخاطر كبرى.
وقال مدير عام بنك التسويات الدولية أوجستين كارستينز: «لا يزال صناع السياسات يواجهون تحديات رهيبة، فالديون العامة والخاصة مرتفعة للغاية والعواقب السلبية المترتبة على الجائحة ضخمة».
والنقطة الأساسية التي يركز عليها كارستينز هي أن الضرر الاقتصادي الذي أحدثته جائحة كوفيد-19 خففته "مواءمات غير مسبوقة في سياسات الاقتصاد الكلي: أسعار فائدة شديدة الانخفاض وجرعات ضخمة من التيسير الكمي"، إلى جانب دعم مالي «وافر».
وكانت درجات مساعدة الميزانية متفاوتة من بلد إلى آخر، فكانت في الولايات المتحدة أكبر كثيراً مقارنة بحالها في أوروبا، على سبيل المثال، لكن الديون الحكومية ارتفعت بشكل حاد في كل مكان، والآن بلغت مستويات غير مسبوقة في بلدان مثل إيطاليا واليابان.
وحدد بنك التسويات الدولية سيناريوهين خطيرين على الجانب السلبي، الأول وبائي في الأساس: حيث قد تظهر متحورات جديدة لفيروس كورونا، فيستلزم الأمر المزيد من عمليات الإغلاق والدعم المالي، وهو ما قد لا يتسنى لبعض الحكومات.
ويتمثل السيناريو الثاني على الجانب السلبي، والذي يعتبره التحليل أكثر منطقية وترجيحاً، في اشتداد ضغوط الأسعار الحالية وارتفاع التضخم إلى مستويات أعلى، الأمر الذي يتطلب في النهاية استجابة نقدية.
يشار إلى أن تضخم أسعار المستهلك وصل 5.4% خلال العام السابق لشهر يوليو بالولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن اتباع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وغيره من البنوك المركزية بأن هذه الزيادة التضخمية مؤقتة سريعة الزوال، ولكن، إذا كان إجماع البنوك المركزية الحالي مجانباً للصواب، كما يعتقد وزير الخزانة الأمريكي السابق لاري سمرز، فقد يحمل لنا المستقبل بعض المتاعب.
وفي الواقع فإن إحكام السياسة النقدية أثناء الخروج من الجائحة سيخلف عواقب أشد خطورة من المعتاد.
فبسبب تكديس البنوك المركزية لقدر كبير من الديون الحكومية، أصبح متوسط آجال استحقاق السندات الحكومية أقصر فعلياً، وعلى هذا فقد أصبحت الميزانيات العمومية في القطاع العام أكثر حساسية من المعتاد للتغيرات في أسعار الفائدة القصيرة الأجلة. بالإضافة إلى هذا، سيكون إحكام السياسة النقدية في العالم المتقدم، وخاصة في الولايات المتحدة، غير مرغوب إلى حد كبير من منظور الأسواق الناشئة، فلا تزال أغلب هذه الأسواق تناضل للسيطرة على الجائحة، ومعدلات التطعيم ضد كوفيد-19 لديها أقل كثيراً من نظيراتها في أوروبا وأمريكا الشمالية، على الرغم من العلامات التي تشير مؤخراً إلى أن البلدان الثرية أصبحت الآن أكثر استعداداً لتقاسم مخزوناتها من اللقاحات.
وفي الاستجابة للجائحة ذاتها، واجه العالم تحديات مماثلة، وكان مزيج السياسات التي استخدمتها الحكومات هو ذاته في عموم الأمر، وأثناء فترة الخروج من الجائحة، قد يتغير كل هذا، فالتدابير التي قد تكون منطقية في البلدان حيث معدلات الإصابة بعدوى كوفيد-19 منخفضة والديون العامة تحت السيطرة ربما تؤدي إلى كارثة اقتصادية إذا استعانت بها بلدان أخرى. ولذا وجب تطبيع السياسة النقدية «بشكل تدريجي للغاية»، وإن كان يؤكد أيضاً، على نحو يوافق التوقعات، على أولوية السيطرة على التضخم واستقلالية البنوك المركزية، فضلاً عن الحاجة إلى المزيد من تنسيق السياسات على المستوى الدولي، وهو أمر نادر الحدوث خلال فترة العام ونصف العام الأخيرة. وعلى هذا فإن بنك التسويات الدولية ذاته لديه مهمة يجب أن يضطلع بها.