خلافاً لكل الوعود التي كانت الحكومة التُركية قد قطعتها من قِبل، وقالت فيها إن التضخم سيتوقف تماماً اعتباراً من أواسط فصل الصيف، أعلن معهد الإحصاء التركي أن التضخم الاقتصادي في البلاد خلال شهر يوليو الماضي قد بلغ 1.8 في المئة.
وأشار المعهد إلى أن مجموع نسب التضخم التي تراكمت في عموم البلاد، خلال الشهور الثمانية الماضية فقط من السنة قد بلغ 18.95 في المئة، الأمر الذي يعني تراجع مستويات العيش والفقر في البلاد بنفس النسبة، لأن الحكومة التركية لم تعطِ أية حوافز أو زيادات خلال هذه الفترة.
عبد الوهاب لجي، أحد هؤلاء المواطنين الذين يعانون من ضغوط يومية جراء عمليات التضخم المتراكمة، التي يُسميها الشارع التركي بـ"ظم"، وتكاد تكون الحديث الدائم بين الناس.
وقال لجي في حديثه مع "سكاي نيوز عربية": "أعمل سائق حافلة نقلٍ عام بين مدينتي ديار بكر وبلدة بسمل القريبة، كُنت قبل سنة أشتري الوقود بشكل يومي من المحطة الأخيرة شرق المدينة، وكانت قيمته تُساوي ثُلث ما أحصله من أجور الرُكاب، منذ أوائل هذا العام بدأ الأمر يتغير، ففي فصول الربيع وصل صارت مشترياتي من الوقود ترتفع لنصف ما أحصل، وطوال الشهرين الماضيين تجاوز الثُلثين. فكل أسبوع تقريباً ترتفع الأسعار، بينما التذاكر بأسعارها القديمة. الأمر نفسه يتعلق بما تشتريه عائلتي من المدينة، فأسعار كل الأشياء تتضخم يومياً، والرواتب ثابتة مثلما كانت منذ أكثر من عام ونصف".
أرقام معهد الإحصاء التركي قالت إن أسعار المساكن وإجاراها كان القطاع الأكثر إصابة بالتضخم خلال هذا الشهر، متجاوزة حدود 5 في المئة، تلتها المواد الغذائية، بالذات الخضار والمشروبات المُصنعة التي يدخل السُكر في صناعتها بشكل كثيف، إذ بلغ تضخمها 2.7 في المئة في شهر واحد، وتالياً صارت بقرابة 100 في المئة منذ أوائل العام.
الأمر نفسه انطبق على أسعار النقل والخدمات والأقمشة والتبغ والحديد والإسمنت والأدوية والزجاج، حيث تراوحت نسب التضخم الشهرية فيها بين 1.2 في المئة إلى 2.6 في المئة، بينما كانت سنوياً بين 19 في المئة وحتى 91 في المئة.
وفي تأجيل آخر للحلول المباشرة التي على الحكومة اتخاذها بشكل سريع، قال رئيس البنك المركزي التركي شهاب كافجي أوغلو، الذي عينه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً، ويُعتبر من أقرب متخذي القرار الاقتصادي قرباً له، إن الزيادات الحادة الحالية في مستويات التضخم في البلاد مؤقتة للغاية، وأن الربع الأخير من هذا العام سيكون فترة استقرار لحالات التضخم، متوعداً أن تبدأ آلية تباطأ التضخم اعتباراً من أواخر هذا الشهر.
الصحف والمواقع الإعلامية المقربة من الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، حاولت الإشارة إلى هبة السياح التي قدمت على تركيا خلال الشهور الثلاثة الماضية، الذين أحدثوا ارتفاعاً في الأسعار وندرة في بعض المواد، ما أحدث تضخماً سموه "مزيفاً" في المواد اليومية.
وهو أمر ردت عليه قوى المعارضة والكثير من المعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي، مذكرين بأن توافد السياح من المفترض أن يوفر المزيد من العملة الصعبة في البلاد، وتالياً أن يرفع قيمة العملة المحلية ويحد من التضخم، وليس العكس، مشيرين إلى أن التضخم الأساسي يتأتى نتيجة السياسات الحكومية، التي ترفع أسعار المواد التي تنتجها هي، بالذات المحروقات والضرائب، والتي لها دور أساسي في معظم المواد الأخرى، التي يرتفع سعرها بشكل طردي.
الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي مروان كاصابي، أعاد أسباب التضخم الاستثنائي الذي أصاب كل شيء من سلة مشتريات المواطنين الأتراك إلى عملتي "المركزة" والفساد في العلاقة بين الحقلين السياسي والنقدي في البلاد.
وشرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "الرئيس يريد أن يكون كل شيء في يديه، حتى سياسات النقد، التي من المفترض أن تكون مستقلة تماماً. فمذ عشرة أشهر فحسب، حينما عين شخصاً مقرباً منه وخاضعاً لقراراته على رئاسة البنك المركزي، انخفضت قيمة الليرة التركية بحدود 12 بالمائة، بالرغم من كل الحوافز والأساليب التي حاول اتباعها، لكن في المحصلة قيمة الليرة مرتبط بما هو موجود في خزينة البنك المركزي، وهو ما يتبخر يوماً بعد آخر".
ويضيف كاصابي: "كانت البنوك المركزية التركي خارج سيطرة الرئيس وفريق المقربين منه تحقق تخضماً بحدود 5 في المئة سنوياً، وهو رقمٌ كان مقبولاً بالنسبة للمواطنين الأتراك، وحينما بدأ الرئيس يتدخل في الشأن منذ العام 2012، ارتفع التضخم لحدود 14 في المئة سنوياً. في حين عندما أصبح صاحب القرار الفعلي منذ عامٍ تقريباً، فأن أكثر المتفائلين لا يوقعون تضخماً أقل من 25 في المئة خلال هذا العام. ولنا أن نتصور تأثير ذلك على التعليم والتنمية المستدامة وتطور المجتمع والحياة العامة في البلاد".