لم تشأ دولة الإمارات العربية المتحدة ومعها المملكة العربية السعودية يوماً من الذهاب إلى اليمن والدخول في معارك عسكرية هناك -أو إلى أي مكان آخر - لولا الحاجة الماسة التي الزمتهما باتخاذ إجراءات وتدابير عاجلة نظراً للخطر الوجودي الذي سيتعرض لها أمنها القومي من جراء سيطرة الحوثيين وبدعم من إيران في منطقة تُعتبر حيوية لأمن دول الخليج العربي واستقرارها. وبفضل هذا التدخل أصبحت دول الخليج اليوم أكثر أمناً على المدى المتوسط والبعيد لأنها نجحت في إيقاف السيطرة الإيرانية الكاملة على خاصرة الخليج العربي. ومن يقول غير ذلك فهو مساير للمشروع الإيراني في المنطقة.
لقد حققت الإمارات بفضل تحركاتها العسكرية الاحترافية العديد من الإنجازات التي يشهد لها الجميع وفي مقدمتها إبعاد شبح سيطرة الحوثيين الإيرانيين عن جنوب اليمن، حيث تمكن ذلك الجزء من اليمن الوصول إلى درجة عالية من الاستقرار الأمني صاحبه جهد إماراتي رهيب وكبير في إعادة البناء واستعادة الحياة الطبيعية لأهالي تلك المنطقة، بما في ذلك بناء القدرات الأمنية لعناصر قوة الدفاع في الجنوب التي أصبحت قادرة بشكل كبير على فرض السيطرة الأمنية هناك. لكن هناك أطراف غير مستفيدة من النجاحات الإماراتية وتحاول الإساءة وتلفيق الأكاذيب حول ما تفعله دولة الإمارات هناك وتسعى لإثارة المشاكل في الجنوب، وأهم هذه الأطراف هي:
أولاً، قوى الإسلام السياسي المسلح والمتمثل في جماعة حزب الإصلاح التابعة للإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة المستند على فكر الإخوان. هؤلاء هم الطرف الأكثر كُرهاً للنجاحات التي حققتها الإمارات في اليمن، فهم يسعون بكل ما يملكون من قوة إلى تشويه تلك الإنجازات عبر القيام بأعمال تخريبية هنا وهناك وتحريض بعض عناصرهم التابعة لهم أو الموالية لهم لإثارة المشاكل الأمنية من أجل إبراز أن الوضع في الجنوب ليس آمناً، وأن الإمارات لم تنجح في تحقيق الأمن هناك. وهذه ألاعيب واضحة للجميع ومدعومة من أيادي الإخوان المسلمين في قطر وتركيا، ونشاهدها تحدث بين فترة وأخرى من خلال تفجيرات في مناطق الجنوب وإرسال صواريخ حوثية إلى فعاليات احتفالية في الجنوب.
ثانياً، الحوثيون ومعهم إيران الذين أدركوا حقيقة أن ما حققته الإمارات في الجنوب أوقف مشروعهم الساعي للسيطرة على باب المندب والسواحل اليمنية. فالحوثيون اليوم لا يملكون القدرة في السيطرة على الجنوب، ووجودهم متمركز في الشمال ولاسيما في صنعاء حيث يحتمون بالقوة بالكثافة السكانية الكبيرة المُعيقة لإمكانية تحقيق نصر عسكري لأي طرف غير مسيطر على الأرض هناك. والقوات الإماراتية ومعها القوات السعودية هي قوات احترافية وتعلم المسئوليات الدولية المنوطة على عاتقها في أثناء القيام بعملياتها العسكرية، لذلك لا تسعى للقيام بعمليات من شأنها الإضرار بالمدنيين في مناطق مأهولة بالمدنيين.
الإخوان المسلمون وإيران ينتظرون اللحظة التي تخرج منها القوات الإماراتية من اليمن لاستخدام أبواقهم الإعلامية والسياسية لإعلان النصر. فهم لا يكفون عن التعاون فيما بينهم لتحقيق هذا الهدف. ولكن إعلانهم هذا شي شكلي، حيث أن القوات الإماراتية بالفعل نجحت في خلق قوة عسكرية يمنية في الجنوب قادرة على مواجهتهم، وإذا ما خرجت القوات الإماراتية فإنها على قناعة بأن وجودها العسكري في بعض المناطق ما عاد له حاجة نظراً لتمكن اليمنين أنفسهم من القيام بالمهمة بفضل الدعم والتدريب والمساندة الإماراتية التي قدمت لهم طوال السنين الماضية، لكن ما يقلقني كمتابع للشأن السياسي هو أن هناك أطراف وأشخاص في النظام الدولي لا يدركون عظمة الدور الذي تقوم به الإمارات في اليمن، وتدعو بسبب مصالح سياسية ضيقة النطاق إلى خروج الإمارات من اليمن متجاهلين فداحة الوضع الذي سيكون عليه الحال في اليمن إذا ما حدث الخروج العسكري الإماراتي.
فالحقيقة التي لا يريد أن يعقلها مثل أولئك الأشخاص الضيقين في تفكيرهم هي أن الإمارات هي الضامن الحقيقي لأمن اليمن في الجزء الجنوبي، حيث يعيش اليمنيون بأمن واستقرار لا يقارن بالمناطق الأخرى من اليمن. فمن سيكون الضامن لأمن اليمينين في الجنوب إذا ما خرجت القوات الإماراتية من هناك؟ سؤال لا تستطيع حتى الأمم المتحدة الإجابة عليه لأنها تدرك أنه لا إجابة لديها. لا الإمارات ولا السعودية تريد للحرب في اليمن الاستمرار، ولا تريد لعناصرها العسكرية البقاء هناك، ولكن ماذا سيحدث لليمن واليمنين إذا ما خرجت الإمارات من دون أن يحدث اتفاق سياسي يُنهي حالة الحرب هناك أو من دون التزام دولي يحمي اليمينين؟! أعتقد أن أهل اليمن في الجنوب سيكونون قادرين على رد الاعتداءات الحوثية والإخوانية، إلا أن المؤامرات ستزداد عليهم مما سيجعلهم في حالة عدم استقرار أكبر وتعود معاناتهم من خلال تزايد المواجهة مع أعداءهم. وعندها فقط سيعلم الجميع أهمية الدور الذي تقوم به الإمارات.
ولكنني على ثقة بأن الإمارات لن تترك اليمنيين في الجنوب ينهارون لا سمح الله أمام الحوثيين وإيران والإسلاميين الإرهابيين، فالإمارات دولة مسئولة وما كان دخولها لليمن إلا نتاج عن قناعة بمسئوليتها الدولية في الدفع بتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين.