روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
أتولَّى التدريس في جامعة ييل الموجودة بولاية كونيتيكت، وفي الأسبوع الماضي زار مسؤول سابق رفيع المستوى بإدارة أوباما الجامعة. وتبادلنا أطراف الحديث حول المأساة الدائرة فصولها في سوريا حالياً وأزمة إدلب. وكنا قد سبق وأن عملنا معاً في الملف السوري قبل استقالتي من الوزارة في فبراير (شباط) 2014. كما تحدثنا عن الأخطاء التي سقطت فيها واشنطن أثناء محاولتها إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. واتفقنا على أن الخطأ الأكبر كان قرار عدم توجيه هجمات ضد حكومة الأسد بعد الهجوم الذي شنته بأسلحة كيماوية ضد غوطة ريف دمشق في أغسطس (آب) 2013، وأسفر عن قتل مئات المدنيين.
وحسب وجهة نظر المسؤول الرفيع السابق، فإن الهجوم الكيماوي ضد الغوطة كان الخطأ الأكبر من جانب حكومة الأسد. وكان من شأن الفيديوهات الصادرة من الغوطة والتقارير الاستخباراتية التي نشرت علانية، جعل من الصعب على روسيا الدفاع سياسياً عن الأسد. ولم تكن روسيا تدافع عن الأسد عسكرياً في ذلك الوقت. في الواقع، لم تصل القوات الجوية الروسية سوريا إلا بعد ذلك الهجوم بعامين طويلين. وحظي الأميركيون بدعم قوي لشن ضربة ضد النظام السوري داخل دول بالمنطقة، وكذلك فرنسا. وكان باستطاعة واشنطن تشكيل قوة عمل عسكرية من دول عدة من أجل هذا الغرض.
واتفقنا أنا والمسؤول الرفيع السابق في الرأي حول أن توجيه ضربة عسكرية نهاية أغسطس أو مطلع سبتمبر (أيلول) 2013 كان سيلحق الضعف بحكومة الأسد، لكن لن يقضي عليها. ولم يكن من بين أهدافنا قط تدمير الحكومة السورية، خاصة بعد الكارثة التي وقعت ببغداد عام 2003. وفي خضم حديثنا، تذكرنا كيف اختفى مسؤولون سوريون في أغسطس 2013. وأرسل البعض الآخر عائلاته من دمشق إلى بيروت. كانت علامات القلق بادية على مسؤولي النظام السوري. وبالتالي، فإن توجيه ضربة عسكرية للقوات السورية، خاصة الجوية منها، ربما كان سيقنع المسؤولين حول الأسد بأنه ليس بإمكانهم استخدام الأسلحة الكيماوية أو القوة الجوية، وأنه ما من حل عسكري للأزمة. ربما كانوا حينها ليقرروا أن الوقت حان للتفاوض حول حل سياسي للأزمة في جنيف. وتذكرت أنا وزميلي السابق كيف أن الروس آنذاك كانوا يرغبون في توجه مسؤولو النظام السوري إلى جنيف.
بدلاً عن ذلك، ومثلما ذكرت في هذه الصحيفة من قبل، ساور القلق الرئيس أوباما في سبتمبر 2013 من بدء تدخل عسكري أميركي طول الأمد في سوريا وقرر التفاوض مع روسيا حول اتفاق بخصوص سوريا لإنهاء برنامج الأسلحة الكيماوية الذي تملكه الأخيرة. ولايزال أوباما وأفراد الدائرة المحيطة به يعتقدون أن ذلك الاتفاق كان بمثابة نصر دبلوماسي رغم أن الأسد عاود استخدام الأسلحة الكيماوية عدة مرات خلال السنوات الست الماضية. (ومن المهم هنا الإشارة إلى أنه رغم الدعاية الروسية، أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي بياناً، الأسبوع الماضي، أكدت خلاله على أنه جرى استخدام غاز الكلور في هجوم ضد مدينة تقع تحت سيطرة المعارضة في أبريل (نيسان) 2018 أدى إلى مقتل 40 شخصاً).
ورأينا في يناير (كانون الثاني) 2014 عندما قدم وفد سوري إلى جنيف أن حكومة الأسد لم تشعر بخزي ولا ندم، وإنما كانت على ثقة من أن أوباما لن يقدم على استخدام القوة العسكرية ضدها. وألقى وزير الخارجية السوري، المعلم، خطاباً طويلاً سادته نبرة التحدي، وربما ما يزال بعض القراء يتذكرون الإهانة التي وجهها علانية إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
داخل جامعة ييل، الأسبوع الماضي، اتفقت أنا وزميلي السابق على أنه بحلول يناير 2014 كانت واشنطن قد فقدت أفضل فرصة لاحت أمامها لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
من ناحية أخرى، صرح زميل آخر سابق، السفير جيمس جيفري، الذي يتولى إدارة الملف السوري حالياً، أمام مؤتمر صحافي بأن واشنطن مستمرة في فرض عقوبات اقتصادية ضد النظام السوري، ليس بهدف إسقاطه، وإنما لتغيير سلوكه. وقال إن الاقتصاد السوري في حالة مزرية للغاية وربما الآن سيبدأ الأسد في التفاوض حول الدستور السوري. وأندهش من هذا القول لأني أعلم أن جيفري رجل ذكي ولا بد أنه يدرك جيداً أن الأسد لم يأبه يوماً لرفاهية الشعب السوري.
أيضاًن اعترف جيفري بأن روسيا ربما لن تتمكن من الضغط على الحكومة السورية، التي تحظى كذلك بدعم إيران، كي تقدم تنازلات. وبذلك يتضح أن جيفري ليست لديه حلول للأزمة الإنسانية في إدلب فيما عدا فكرة أن العقوبات الاقتصادية ربما تؤدي يوماً ما إلى إقناع الحكومة السورية بقبول وقف إطلاق النار، أي أن زميلي السابق يقدم لنا أملاً، تماماً مثل آمالنا المحبطة في يناير 2014.
إنه مجرد أمل، وليس استراتيجية واقعية أو تحليل لإنقاذ أبناء إدلب. من جانبي، يجب أن أكون أميناً وأعترف بأنه ليس لدي لا أمل ولا استراتيجية. إن الحكومات والأشخاص الراغبين في تقديم العون لأبناء إدلب ينبغي لهم إرسال مساعداتهم إلى المنظمات الإنسانية العاملة على الأرض داخل معسكرات النازحين واللاجئين. هذه المنظمات الإنسانية، وليس الدبلوماسيين، هي الأبطال الحقيقيون.