بعد أن حددت مصر في يونيو الماضي منطقة سرت الجفرة في ليبيا كخط أحمر يحظر على فصائل حكومة الوفاق والميليشيات الموالية لتركيا في ليبيا تجاوزه، وإلا يعتبر تهديداً مباشر لمصر يستوجب التدخل، رسمت مصر واليونان خطاً آخر لتركيا، لكن هذه المرة في البحر المتوسط.
فقبل يومين وقعت مصر واليونان اتفاقية تعيين الحدود البحرية، بينهما في المتوسط، وهو اتفاق كشفت خريطة أرسلتها الخارجية المصرية لوكالة "رويترز " قطعه للخط بين تركيا وليبيا، بما يعني فعليا إبطال الاتفاق الموقع بين حكومة فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
واستنفر هذا الاتفاق أنقرة، فاعتبرت الخارجية التركية أن المنطقة التي شملها الاتفاق بين اليونان ومصر تقع في نطاق الجرف القاري التركي.
كما اعتبرت هذا الاتفاق المصري اليوناني لاغياً وباطلاً لانتهاكه الحقوق البحرية الليبية.
فما هي تلك الاتفاقية التي أثارت حفيظة أنقرة؟
لتفسير أسباب الغضب التركي، أوضح وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال لـ "العربية.نت" أن الحدود البحرية يتم ترسيمها وفقاً لمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والموقعة من كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، حيث يوجد ما يسمى بالمياه الإقليمية وما يسمى بالمياه الاقتصادية، وتبدأ المياه الإقليمية من نقطة التقاء اليابسة بالمياه عند الشاطىء، وبعمق 12 ميلاً، أما المياه الاقتصادية فتبدأ من نفس النقطة وتمتد في البحر 200 ميل إذا كانت المسافة بين الدولة والجار تزيد عن 400 ميل، أما إذا كانت أقل من 400 ميل فيتم ترسيمها بالاتفاق مع الدول المجاورة بطريقة متناسبة ومتساوية ولا يجوز البحث عن الثروات البحرية في تلك المناطق، إلا بعد التوافق حول أسلوب استغلال تلك الثروات بالإنصاف مع الدول المتلاصقة والمتقابلة معا، كما هي حالة مصر واليونان المتلاصقة معا في الحدود البحرية.
إلى ذلك، أشار إلى أن الدول التي تمارس حقوقا على مناطقها الاقتصادية تصدر نشرات بحرية تلتقطها أجهزة الراديو على السفن الملاحية المارة، تحدد فيها إمكانية المرور من عدمه، حيث يمكن أن تقوم الدولة التي تمارس حقوقا على المناطق الاقتصادية بأعمال تنقيب أو بحث أو مسح سيزمي ، أو أعمال عسكرية، وبالتالي يمكن أن تصطدم السفن المارة بها، فتحدث مشكلة.
وأضاف أن ترسيم الحدود يحدد لكل دولة مناطقها الاقتصادية التي تمارس عليها من البحث عن الثروات أو عمل مسح سيزمي.
كما لفت إلى أنه بناء على تلك الاتفاقية الموقعة، الخميس، يمكن لمصر واليونان القيام بكل عمليات البحث والتنقيب كل في منطقته الخالصة، دون مشاكل، ويمكن أن تقوم شركات التنقيب العالمية بضخ استثمارات في تلك المناطق بعد أن اكتسبت الصفة القانونية، وثبت خضوعها للدولة صاحبة الحق في البحث والتنقيب عن الثروات، وهو ما ليس حقا لتركيا.
لا مداخل لتركيا باتجاه ليبيا
من جانبه، قال السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، لـ "العربية.نت" إنه بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان وبعد اتفاق ترسيم الحدود بين اليونان وإيطاليا، لم يعد لتركيا أي مدخل باتجاه ليبيا يمكن أن يتوافق مع قواعد القانون الدولي، مضيفا أن سكرتير عام الأمم المتحدة رفض إيداع الاتفاق البحري الذي أبرمته تركيا مع حكومة السراج في ليبيا ولم يعتمده البرلمان الشرعي الليبي.
كما كشف أن تركيا وإسرائيل لم توقعا على الاتفاقية الدولية لقانون البحار، وبالتالي لا يمكنهما استغلال أي ثروات طبيعية في المناطق الاقتصادية بالبحر المتوسط التي تخص دولاً أخرى، وسيعد أي تدخل منهما بمثابة اعتداء على القانون الدولي، وافتئاتا على الاتفاقيات القانونية الموقعة بين الدول المتشاطئة على البحر المتوسط سواء كانت بين مصر وقبرص أو قبرص واليونان أو اليونان وإيطاليا، والآن بين مصر واليونان.
وأكد أنه ليس لتركيا أي حق في مزاعمها بوجود حدود بحرية لها مع ليبيا بناء على كل الاتفاقيات.
تركيا والعبء الأوروبي
إلى ذلك، شدد على وجود حاجة أوروبية ملحة لاستخراج الغاز والنفط بشكل مستقر وآمن وقانوني ودون نزاعات من البحر المتوسط والاستفادة منه في ظل نقص الإمدادات الواردة لها من روسيا والجزائر والنرويج، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق يتيح للبلدين فرصة البحث والتنقيب عن الثروات الطبيعية من غاز ونفط في المناطق الاقتصادية الخالصة لهما وممارسة الأنشطة الاقتصادية بالتوافق مع الدول المتلاصقة أو المقابلة معها بحرياً، بعيداً تماما عن أي مزاعم ترددها تركيا أو محاولاتها لخلق حدود لها مع ليبيا.
وأكد أن أوروبا تدرك أن أمنها واستقرارها مرتبط بأمن واستقرار المتوسط وأن غاز المتوسط مؤهل أقرب للوصول لها بحكم علاقات الجوار الوطيدة والتي تستلزم تحقيق قدر من الهدوء والاستقرار، متوقعا أن تتخذ أوروبا قريبا موقفا تجاه الممارسات والأدوار التركية التي باتت تشكل عبئا وخطرا على أوروبا.