وأخيراً تم التوقيع على اتفاق ينهي حرب غزة، حيث مرت 733 يوماً على حرب وحشية شنتها إسرائيل، والتي أثبتت مجرياتها أن الحرب الإسرائيلية لم تكن مجرد رد على هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، بل كانت محاولة ممنهجة لاقتلاع شعب كامل، لطمس هويته، لتجويعه، صحيح أن إسرائيل حولت غزة إلى جحيم، وقتلت أكثر من 67 ألف مدني حتى الآن، ودمرت المدينة إلى حد كبير، وكانت النتيجة دماراً وحصاراً ونزوحاً وتجويعاً لشعب بريء.
عامان من الحرب في غزة، يؤرخان حكاية شعب يرفض الاستسلام صمد في وجه حرب فتاكة، لملم أشلاء مدينة ترفض الركوع وتختار الانتظار.
حسابات الربح والخسارة، الانتصار والهزيمة ليست سهلة ولا نهائية في حرب لم تضع أوزارها بعد، حتى لو توقفت خلال الأيام المقبلة أصوات المدافع والطائرات والرصاص، لأن تداعياتها كبيرة على غزة وحتى الضفة الغربية.
تركت المشاهد المروعة أثراً بالغاً في كل أنحاء العالم، وأحدثت انقلاباً في الرأي العام العالمي، وحركت المشاعر الإنسانية، وأفضت إلى تعاطف إنساني غير مسبوق مع القضية الفلسطينية، ونجحت في إعادتها إلى الواجهة.
في الذكرى الثانية للحرب والتي مرت قبل أيام، كانت ثمة مؤشرات عديدة على أن الحرب الدائرة في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، ربما تتجه نحو نهايتها، فقد آن الأوان لغزة أن تستريح، وأن تضمد جراحها العميقة، وأن تنتهي معاناة الحرب كلياً، بعيداً عن مصطلح الهدن، وأن تستعيد الشعور بالأمان بعيداً عن الجوع والحصار والمدافع، لم يكن لمبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن ترى النور لولا صمود الشعب الفلسطيني وأطواق العزلة التي باتت تعاني منها إسرائيل عالمياً، دون نسيان الدور الكبير للدبلوماسية العربية، وفضلها في تقديم الحلول وحرصها على معالجة الثغرات في بنود المبادرة، وفي حال نجاح جهود وقف إطلاق النار كلياً، وانسحاب إسرائيل من غزة، وانسحاب «حماس»، فإن ذلك يعد إنجازاً لا يستهان به، من شأنه أن يسرع من الوقت لتحقيق السلام، عبر معالجة أسبابه كافة، لضمان عدم تجدد الحرب مرة أخرى، وقد يكون هذا أكبر تقدم منذ عقود نحو دولة فلسطينية بدعم عربي ودولي.
الشعب الفلسطيني يعرف أن الحفاظ على وجوده في قطاع غزة، وإفشال مشروع التهجير، يشكلان انتصاراً حقيقياً لإرادة شعب، حيث ظل الفلسطينيون متمسكين بأرضهم، ولم يكن هذا الصمود مجرد فعل فردي، بل أيضاً كان موقفاً جماعياً، ولا شك في أن وقف الحرب انتصار حقيقي بالنسبة للشعب، إنه إعلان أن العدالة والحرية لا تُهزمان، وأن الحق لا يمكن تجاهله، لأنه أجبر العالم على الخروج للشارع ومؤازرة فلسطين ونصرتها، آن لهذا الشعب أن يتنفس الصعداء بترقب وضع الحرب أوزارها، وتوقف ضجيج المدافع وهدير الطائرات، آن لغزة أن تبدأ حربَها القادمة، حرب النهوض من تحت الركام، لتعيد الحياةَ إلى كل زاوية وكل شارع.