نأى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنفسه عن خطة إسرائيلية لاحتلال قطاع غزة بشكل كامل، واعتبر أن مثل هذا الأمر متروك لإسرائيل، لكنه لم يبد أي معارضة وتحدث عن "المشاهد المروعة" لرهينتين إسرائيليين ظهرا بملامح هزيلة، وهو موقف يترك الباب مفتوحاً أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لتعميق الأزمة الإنسانية في غزة حيث شدد على وجوب "إتمام هزيمة" حركة حماس لتحرير الرهائن، وذلك خلال ترؤسه اجتماعا أمنيا عُرضت خلاله الخيارات لمواصلة الحرب.
وبحسب تقرير بثته اذاعة "كان" الإسرائيلية فإن "عدة وزراء أكدوا بعد حديثهم مع رئيس الوزراء أنه قرر توسيع العمليات القتالية لتشمل مناطق يُحتمل وجود رهائن فيها". وأعلنت صحيفة "معاريف" اليومية الخاصة أنّ "القرار قد اتّخذ. نحن في طريقنا لغزو كامل لغزة".
في المقابل، شككت وسائل إعلام إسرائيلية بينها القناة 12 في توسيع الجيش لعملياته ورأت أن هذه التصريحات ما هي إلا محاولة للضغط بهدف تسريع المفاوضات.
وتصاعد الحديث عن تدخل عسكري أوسع في غزة يأتي فيما تتعثر مفاوضات وقف إطلاق النار، وتبدو الأهداف العسكرية الإسرائيلية بعيدة عن التحقق بعد العملية الأولى. الجناح اليميني يطالب بالمضي في الحملة العسكرية بلا تردد. وكتب وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير على منصة «إكس» أمس الثلاثاء: «على رئيس الأركان أن يوضح أنه سينفذ تعليمات القيادة السياسية بالكامل، حتى لو تقرر الذهاب نحو الاحتلال والعمل الحاسم».
في المقابل، يفضل رئيس الأركان إيال زمير استراتيجية أكثر محدودية تقوم على «النيران الدقيقة» للضغط على حماس مع تقليص الوجود البري وإراحة الجنود المنهكين بعد قرابة عامين من الحرب. وقال الجمعة: «سنقلل من إنهاك قواتنا ونتجنب الوقوع في فخاخ حماس».
عسكرياً، يشير خبراء إسرائيليون إلى أن احتلال غزة كاملاً ليس صعباً، إذ تسيطر إسرائيل بالفعل على نحو 75% من القطاع، وحماس لم تعد تملك قوة عسكرية منظمة لمواجهة مباشرة. ووفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن التحدي الحقيقي يبدأ بعد السيطرة، إذ ستكون إسرائيل مسؤولة عن حياة نحو مليوني نسمة، بما يشمل الغذاء والصحة والتعليم والصرف الصحي والخدمات المدنية كافة، إلى جانب الحاجة لوجود عسكري كبير في بيئة معادية في معظمها.
والتكلفة ستكون باهظة؛ حيث قدّر البروفيسور إستيبان كلور من الجامعة العبرية، وفق "وول ستريت جورنال"، أن احتلال غزة سيكلف نحو 35 مليار شيكل (10 مليارات دولار) سنوياً لتغطية رواتب الجنود وتمويل الخدمات المدنية في غزة، أي ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإسرائيلي غير المرصود في الميزانية، دون احتساب إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة التي قد تضطر إسرائيل لتحملها إذا رفضت الدول المانحة التعامل معها.
سابقاً، بين 1967 و2005، كانت إسرائيل تموّل الإدارة العسكرية في غزة إلى حد كبير من الضرائب المحلية، لكن كلور يرى أن هذا الخيار غير واقعي الآن بعد انهيار اقتصاد القطاع بفعل الحرب.
ما جدوى الاحتلال؟
التحليل الأمني في إسرائيل يطرح أيضاً تساؤلات حول جدوى الاحتلال: فمقاتلو حماس الذين خاضوا الحرب بملابس مدنية ومن داخل المناطق المأهولة، يمكنهم مواصلة حرب العصابات، بل إن الاحتلال قد يعزز صفوفهم ويوفر لهم فرصاً لاستهداف القوات الإسرائيلية المرابطة بشكل دائم لإدارة الحكم العسكري. كما أن خطوة كهذه ستؤدي إلى رد فعل دولي واسع، في وقت يطالب معظم العالم بإنهاء الحرب فوراً.
ويرى بعض المحللين أن الاحتلال قد يأتي بنتائج عكسية، من خلال تقويض فرص تحرير الرهائن المتبقين ومنح حماس زخماً جديداً داخلياً وخارجياً. وقال أفنير غولوف، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ونائب رئيس مؤسسة «مايند إسرائيل» الأمنية في تل أبيب: «ما نراه الآن سيزداد سوءاً. لست متأكداً إلى أي حد سيتقبل المجتمع الإسرائيلي احتلال غزة بالكامل».
ويرجّح آخرون أن نتنياهو يستخدم التهديد بالاحتلال كورقة ضغط لدفع حماس إلى قبول شروط إسرائيل لوقف إطلاق النار.
شعبية المقترح المصري
وفق استطلاع نشره معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب الأحد، 27% من الإسرائيليين يؤيدون إقامة حكومة عسكرية في غزة، مقابل 50% يؤيدون حكومة تكنوقراط وفق المقترح المصري، فيما أيّد 12% فقط تسلّم السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، وهو خيار ترفضه القيادة الإسرائيلية بشدة.
المؤيدون لاحتلال كامل يرونه ألماً قصير الأمد مقابل مكاسب بعيدة المدى؛ فمن وجهة نظرهم، ستضمن إسرائيل منع حماس من إعادة بناء قوتها بعد عشرين عاماً من الهجمات المتكررة، كما يمكنها مع الوقت استقرار القطاع وتخفيف الضغط الدولي والإشراف على التعليم لتنفيذ برنامج «إزالة التطرف» الذي يراه نتنياهو ووزراؤه شرطاً للسلام مع الفلسطينيين.
ويرى أمير أفيفي، المسؤول العسكري السابق والمقرّب من الحكومة، أن نجاح الاحتلال يتطلب خطة إسرائيلية لإعادة توطين الغزيين في دول ثالثة، وهو مقترح طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطلع هذا العام. وبينما تؤكد إسرائيل أن الترحيل سيكون «طوعياً»، يرى المنتقدون أن الدمار الواسع في غزة يرقى إلى الإكراه على الرحيل. وقال أفيفي: «إذا انتقل معظمهم إلى الخارج فسيغيّر ذلك قواعد اللعبة».