الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - أخبار العالم - تراجع الدولار.. ثمن باهظ قد تدفعه الولايات المتحدة

تراجع الدولار.. ثمن باهظ قد تدفعه الولايات المتحدة

الساعة 01:05 مساءً

 

 

تصر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الإضرار بمكانة الدولار كدعامة أساسية للتمويل العالمي، وستفتقده الولايات المتحدة بشدة إذا ذهبت مكانته.

 

ويبدو الحديث عن هذا الأمر غريباً! فعلى مر السنين، كان قرع الطبول لتخلي الدولار عن دوره كعملة احتياطية مهيمنة مجرد سفه يقتصر على المجانين، أما كبار المستثمرين فيصرون على أن الدولار القوي باقٍ.

 

ولا يوجد بديل جدي يمكنه الاستحواذ على مكانته. ويشير آخرون إلى أن المشككين في الدولار يخلطون بين فترة الضعف الأخيرة في العملة ودورها كملاذ آمن ومسهل للتجارة العالمية.

 

رغم ذلك، فإن كلا الطرفين، لا يرى حجم الاضطرابات التي أصابت السياسة الأمنية والجوانب الجيوسياسية منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. لذا، فإنه من المنطقي حالياً التفكير فيما ستخسره الولايات المتحدة.

 

والتخمين الحالي هو أن أمريكا ستكون أقصر نظراً في الأسواق وفي سياسات القوى الكبرى، وأقل مرونة في أي أزمة عابرة، وأكثر اعتماداً على لطف الغرباء.

 

ويعد آدم بوزين، الرئيس المخضرم لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، من بين خبراء الاقتصاد البارزين الذين غيروا رأيهم بشأن هذه المسألة. ففي عام 2008، كتب ورقة بحثية بعنوان «لماذا لن يكون اليورو منافساً للدولار».

 

وأشار حينها إلى أن «اليورو يمر بذروة تأثير مؤقتة، وأن الدولار سيواصل الاستفادة من المميزات الجيوسياسية لدوره العالمي، وهو الدور الذي لا يمكن لليورو بعد أو في أي وقت قريب أن يضاهيه، إن تمكن من ذلك أصلاً».

 

في ذلك الوقت، كان ترامب منشغلاً بافتتاح أحدث مشاريعه العقارية الكبرى، وهو برج وفندق ترامب العالمي البراق بولاية شيكاغو. وبوزين، شأنه شأننا جميعاً، يمكن أن يغفر له عدم تمكنه حينها من تخيل أن ترامب قد ينتهي به الأمر أن يكون زعيم العالم الحر، مرة أخرى، في عام 2025. لكن ها نحن نعيش هذا الأمر.

 

وقد عاد آدم بوزين ليقدم عرضاً رائعاً على الإنترنت منذ أيام، قال فيه إن التحول المفاجئ للرئيس في السياسة الخارجية يشكل خطراً مباشراً وجسيماً على أسس الدولار.

 

وتراجع العملة الخضراء منذ إعلان ترامب في الثاني من أبريل ما يسمي بالتعريفات الجمركية التبادلية هو أمر واحد، يأتي انعكاساً غريزياً مفهوماً لضعف النمو الأمريكي في المستقبل.

 

لكن حقيقة أن الدولار انخفض بالتزامن مع تراجع قيمة السندات الحكومية الأمريكية طويلة الأجل هو أمر مختلف تماماً. وفيما لا يقدم ذلك دليلاً دامغاً على نهاية مكانة الدولار كعملة احتياطي عالمي مهيمنة، فإنه دليل قوي جداً على أنه قد أصيب بالأذى.

 

ومن الضروري هنا أن نشير إلى عنصر مهم، وهو أن السندات الحكومية الأمريكية ليست متساوية. فحينما فاجأ ترامب الأسواق بإعلانه التعريفات الجمركية الباهظة، قفزت أسعار سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل التي تقترب آجال استحقاقها من عامين، وهو انعكاس تقليدي للتوقعات بوقوع صدمة قد تستلزم خفضاً لأسعار الفائدة.

 

لكن سندات الخزانة الأطول أجلاً سلكت مساراً مختلفاً، إذ شهدت تقلبات غير معتادة للغاية «تتسق مع انخفاض في ممتلكات التحوط من الأصول الآمنة»، على حد تعبير تحليل جديد أجراه فيرال أشاريا وتوماس لاريتس لصالح كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك.

 

وفي الأوقات العادية، تتحرك السندات والعملات صعوداً وهبوطاً وفق النمو، والتضخم، وأسعار الفائدة. لكن هذه الأوقات غير عادية. وكما نشهد حالياً، فإن الأسس الأقل وضوحاً للسياسة الخارجية والعوامل الجيوسياسية تشكل الأرضية التي يرتكز إليها كل ذلك.

 

وهذا يجعل من الصعب، وليس من باب الاستحالة، أن نرى كيف يمكن للدولار وسندات الخزانة استعادة دورهما التاريخي كصمامات أمان موثوقة للأسواق المتوترة.

 

وما لم يعد التوازن بين سندات الخزانة قصيرة وطويلة الأمد، فسيعني هذا احتمالية اعتماد أمريكا بصورة أكبر على طرح الديون قصيرة الأجل. وعادة ما كانت الولايات المتحدة مقترضاً رصيناً وآمناً وموثوقاً إلى درجة تمكن وزارة الخزانة فعلياً من تحمل ألا تسدد ديونها أبداً، حيث يمكنها فقط إصدار سندات جديدة لسداد تلك القديمة، وهكذا دواليك.

 

ويعني اعتماد البلاد بصورة أكبر على السندات قصيرة الأجل دون تلك طويلة الأجل أن الطرح سيكون مسألة أكثر تكراراً، ما سيتطلب مواظبة الولايات المتحدة على إرضاء الدائنين كي تواصل كبح تكاليف الاقتراض.

 

ولعل الامتياز الهائل في امتلاك أمريكا عملة الدولار وسوق السندات، التي يرغب العالم في اقتنائهما، يعني أن الولايات المتحدة بإمكانها الاقتراض للخروج من المتاعب التي تلم بها بسهولة أكبر مقارنة بأي دولة أخرى، حتى عند وقوع الأزمات المحلية.

 

وتاريخياً، تمكنت الولايات المتحدة من أن تجعل أزماتها قصيرة الأمد عن طريق الاعتماد على مصدر موثوق للاستثمار ذي تكلفة معقولة، مع قدرتها على تحفيز اقتصادها للخروج من أي مشكلة تقريباً وعلى نحو أكثر حرية مقارنة بأي بلد آخر قد يشهد ارتفاع تكاليف الاقتراض الخاصة به حينما تسوء الأمور.

 

ربما اعتقدت الإدارة الأمريكية الجديدة أن هذه هي طبيعة العالم بكل بساطة، وهو أمر مفهوم، لكن لا يجب اعتباره أمراً مسلماً به، فأوروبا تود لو أمكنها الاستحواذ على قطعة من تلك الكعكة.

 

إن أمان الأصول الآمنة ينبع من اعتقاد الجميع أنها آمنة. لكن الولايات المتحدة ماضية في طريقها نحو اكتشاف التكلفة طويلة الأجل لما تفعله حينما تتقوض هذه الثقة.