كررت واشنطن خلال اليومين الماضيين تحذيراتها الشديدة من أن الأوضاع بين لبنان وإسرائيل مرشحة للانفجار، وأبلغت اللبنانيين أن لديهم وقتا ضيّقا للتعامل مع التهديدات الإسرائيلية
فيما كشفت مصادر العربية والحدث أن الرسالة الأميركية لبيروت شملت الشروط الإسرائيلية، وأبرزها تمسك حكومة بنيامين نتنياهو بعودة سكان الجليل إلى منازلهم قريباً، فضلا عن التأكد من أن حزب الله لن يتمكّن من تهديد الحدود الشمالية لإسرائيل كما يفعل الآن، أو كما فعلت حماس في 7 أكتوبر الماضي.
ولعل من أول أسباب قلق واشنطن التي رأت النزاع بين حزب الله وإسرائيل ضمن حدود في البداية، خشيتها الآن أكثر من أي وقت مضى ألا تتجاوب حكومة نتنياهو مع المطالب الأميركية.
أما السبب الثاني للمخاوف الأميركية فيكمن في أن الموفد الرئاسي عاموس هوكستين سعى أكثر من مرة للوصول إلى "حل" لكنه لم يحصل من اللبنانيين على التزام من حزب الله بتنفيذ أي من المطالب.
الوساطات كثيرة
ويرى المسؤولون الأميركيون أن لدى الإسرائيليين مطلباً محقاً، وهو عودة السكان إلى قراهم في شمال إسرائيل، وأن تكون عودتهم مستمرة بدون أي تهديد من قبل حزب الله.
كما يتفق الفرنسيون أيضاً على هذا المطلب، لكن مصادر العربية والحدث في واشنطن أكدت أن للطرفين مقاربتين مختلفتين للحلّ، والعاصمتان لا تنسقان على الإطلاق في خطواتهما، أو في وضع الحلول.
فالأميركيون يريدون وقفاً لإطلاق النار وضمانات من حزب الله وإجراءات على الأرض تؤكد أن مسلحيه لن يكرروا أو يكونوا قادرين على شنّ هجمات في المستقبل، فيما يسعى الفرنسيون إلى تطبيق القرار 1701 ويعتبرونه الطريق الصحيح للوصول إلى الحلّ.
هوكستين واللبنانيون
فيما تقابل الاختلافات الأميركية الإسرائيلية الفرنسية "آلية جديدة". ففي غياب الدولة وفراغ رئاسة الجمهورية، تبدو الاتصالات الأميركية-اللبنانية، وكأنها قائمة على قدرة أربع شخصيات على التوصل إلى تفاهم، وهم الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكستين، ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي، وهو حليف لصيق لحزب الله، وإلياس أبو صعب عضو مجلس النواب اللبناني الذي يقوم بمساع بين حزب الله والأميركيين، وأخيراً حسن نصرالله زعيم الحزب.
فهوكستين يعمل في ظل الرئيس الأميركي، ومن دون التنسيق مع وزارة الخارجية الأميركية، ونبيه برّي يبدو وفي أحيان كثيرة صديقاً للأميركيين، وفي أحيان أخرى مجرد واجهة لمطالب حزب الله، أما إلياس أبو صعب فيبدو وكأنه يستغل العلاقات مع هوكستين للذهاب إلى أبعد من نقل الرسائل، ويصل إلى نقطة التسويق لرئيس جمهورية يوافق عليه حزب الله والأميركيون، وكأن الاتفاق بين حزب الله وواشنطن كاف لانتخاب رئيس جمهورية والتوصل إلى إنتاج جمهورية لبنانية لست سنوات باتفاق العدوين، حزب الله وواشنطن.
على شفير الهاوية
حتى الآن لم ينجح هؤلاء الأطراف في التوصل إلى تفاهم ينقذون فيه بعضهم. فالأميركيون يعوّلون على هوكستين للتوصل إلى تفاهم مع نصرالله عن طريق برّي وأبو صعب، ونصرالله ما زال يصرّ على السير في أزمة عند شفير الهاوية.
إلا أن هناك بدون شك تحركات أخرى يقوم بها أطراف آخرون مثل سفراء الخماسية وأعضاء الخماسية منفردين، والجميع يتمنون الوصول إلى صيغة مقبولة لمنع الانحدار الى المواجهة العسكرية المفتوحة، وكان لافتاً أن الأطراف بدأوا العمل على وضع صيغ ميدانية للمرحلة المقبلة وهي كلها تقوم على دور واسع للجيش اللبناني في جنوب لبنان.
خطط للجيش اللبناني
ومنذ أسبوعين تقريباً جرى اتصال بين رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال براون بقائد الجيش اللبناني جوزيف عون وتوفّرت معلومات لـ "العربية والحدث" تشير إلى أن الأميركيين يريدون رعاية البنية العسكرية الشاملة في جنوب لبنان ولسنوات طويلة.
لكن هذه الترتيبات العسكرية في الجنوب تتطلب إعداداً كبيراً من الجيش اللبناني، وسيطرة على الأرض، وقد بدأ العسكريون من الطرفين، اللبناني والأميركي، في وضع تفاصيل ما يحتاجه الجيش ليقوم بهذه المهمة. وتبدأ حاجاته من استعادة العناصر الذين خسرهم منذ بداية الأزمة المالية، وتمرّ بمتابعة تمويل الجيش اللبناني، وتصل إلى نشر قوات من الجيش تكون قادرة على منع احتكاك جديد بين عناصر حزب الله وإسرائيل.
ولعل المثير أيضاً في هذا المسار أن الأميركيين والأوروبيين جميعاً أبدوا بحسب مصادر العربية رغبتهم بالمساعدة المالية للجيش اللبناني وهم ينتظرون أن تظهر الخطة الشاملة بالاتفاق بين الأميركيين والجيش اللبناني بالإضافة إلى التوصل إلى صيغة بين طرفي النزاع.
تحذير أخير
يبقى أن أهم ما في تحذيرات الأميركيين أنهم يقولون، بشكل غير مباشر، للبنانيين وخصوصاً لحزب الله، إن الولايات المتحدة ليست قادرة على منع الحرب ولا تستطيع أن تقف ضد إسرائيل التي تطالب بأمن حدودها الشمالية.