الرئيس السابق علي ناصر محمد يتحدث في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر : لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيه ..
بيان عزل الرئيس
عندما يطلع القارئ على التاريخي السياسي الذي شهدته البلاد ما بين 67- 90م يجده تاريخ ملئ بالصراعات والخلافات الساسية ومن هذه الصراعات التي وقف بنا الحديث عنها من مذكرات الرئيس علي ناصر في العدد السابق .. كيف كانت خطة عزل الرئيس قحطان الشعبي ..
وفي هذا العدد يواصل لنا السيد الرئيس ناصر حول اعلان عزل الرئيس قحطان الشعبي وانتخاب مجلس رئاسة من خمسة أعضاء حيث يستدرك ويقول :" كانت هذه هي الخطوط العريضة التي أعربت عنها "القيادة العامة" في بيانها السياسي الذي تابعه الناس باهتمام من إذاعة عدن فور إذاعته صبيحة الثاني والعشرين من حزيران/ يونيو 1969م.
وكان هناك بيان أمر رفع إلى القيادة العامة للجبهة القومية، في محاولة لإحباط قرار القيادة العامة بعزل الرئيس قحطان الشعبي. جاء بعد فوات الأوان، وهذا نصه:
22 يونيو 1969م
الأخوة أعضاء القيادة العامة للجبهة القومية
بعد التحية:
نظراً للأزمة التنظيمية والسياسية في البلد، الأمر الذي ينذر بخطر كبير يذهب ضحيته العديد من المواطنين الأبرياء، ويهدّد تنظيم الجبهة القومية ذاته، فإننا نتبنى الرأي الذي لوّح به في جلسة 19 يونيو بأنّ الأزمة لا يمكن تجاوزها شرعياً إلا من خلال مؤتمر يتم سريعاً.
وإننا نطالب بذلك، ونقترح أن يكون جدول أعمال المؤتمر بالشكل الآتي:
1 ـ مناقشة أزمة التنظيم، وتجربتنا في السلطة منذ الاستقلال وإقرار لوائح داخلية للتنظيم.
2 ـ مناقشة وإقرار مشروع الدستور، وهذا مُعَدّ وجاهز من قبل المستشارية.
3 ـ مناقشة الخطة الاقتصادية، وهذه مُعدَّة وجاهزة من المستشارية.
وإننا نطالب لتحقيق ذلك بتكوين لجنة تحضيرية تُعَدّ لذلك سريعاً.
التوقيع:
علي عبد العليم،
سيف أحمد الضالعي،
فيصل عبد اللطيف،
توفيق علي عوبلي،
أحمد صالح الشاعر،
خالد عبد العزيز،
جعفر علي عوض،
عبد الله علي عقبة،
خطوة 22 يونيو تغييرات في قيادة الدولة
ويتابع حديثه ويقول :" أجرت خطوة 22 يونيو تغييرات في قيادة الدولة، التنظيم والحكومة، فانتُخب مجلس رئاسة من خمسة أعضاء، هم: سالم ربيع علي - عبد الفتاح إسماعيل - محمد علي هيثم - محمد صالح العولقي -علي عنتر، وانتُخب أيضاً عبد الفتاح إسماعيل أميناً عاماً للتنظيم السياسي الجبهة القومية، وانتُخِبَت لجنة تنفيذية جديدة من: سالم ربيع علي، عبد الفتاح إسماعيل، علي عنتر، محمد صالح عولقي، محمود عشيش. ولجنة تنظيمية مركزية جديدة مكونة من: عبد الفتاح إسماعيل، عبد الباري قاسم، أحمد محمد قعطبي، فارس سالم، محمد سالم عكوش، فضل محسن عبد الله، عوض الحامد.
وتشكلت حكومة جديدة برئاسة وزير الداخلية المقال محمد علي هيثم.
كانت هذه هي الحكومة الثالثة بعد الاستقلال(1) وعُيِّن فيها علي عبد الله ميسري، عضو القيادة العامة للجبهة القومية، قائداً للجيش خلفاً لحسين عثمان عشال، وتبع ذلك إجراء حملة تغيير في الجيش والأمن، والجهاز الإداري للدولة، خاصة في قمة المؤسسة العسكرية. وكان ذلك استمراراً لعمليات التطهير التي بدأت منذ يوم الاستقلال للعناصر الذين عُدّوا موالين للنظام الإنجلو سلاطيني، أو غير قادرين على مواكبة المرحلة الجديدة. لكن للأسف، شملت قرارات التطهير عدداً من الموظفين الأكفياء الذين لم يكونوا في الواقع معادين للثورة، ولم يشكلوا خطراً على النظام الجديد، وكان بالإمكان الاستفادة منهم ومن خبراتهم.
وشمل التغيير هذه المرة العناصر الموالين للرئيس قحطان الشعبي، حيث فُصل عدد منهم من عضوية اللجنة التنفيذية والقيادة العامة. وخرج في التصفيات كثير من العناصر الوطنيين ذوي الرصيد النضالي، لمجرد انتمائهم إلى محافظات ومناطق محددة. ولا بد من الإقرار بأنه قد حدثت بعض التصرفات، ووقع بعض الشغب من أجهزة في التنظيم والحكومة، ما استدعى اللجنة التنظيمية المركزية إلى إصدار بيان بعنوان: "كيف نفهم ما حدث يوم 22 يونيو 1969م؟"، وأشار إلى ما يأتي:
- إنّ ما حدث عملية تصحيح داخلية تنظيمية، ولم يكن له علاقة بالموقف العسكري، ولم تعتمد "القيادة العامة" فيها على القوات العسكرية.
- حرصت القيادة العامة على عدم إطلاق رصاصة واحدة أو إجراء اعتقالات أو الحجز في المنازل، إلا بعد أن بدأت تشويهات للحركة، وأنزلت منشورات متوالية غير مشروعة.
- إنّ الحركة لم تأتِ ضد منطقة أو ضد مجموعة، وإنما جاءت لتنقذ التنظيم، وتعيد إليه الحياة مرة أخرى.
- جرت محاولات إقناع عدد من الضباط الذين قدموا استقالتهم جماعياً بالعدول عنها، أُقنع عدد من الضباط الذين طلبوا المغادرة إلى خارج أراضي الجمهورية بالبقاء، ولم يغادر سوى (4) منهم.
- إنّ هذه الخطوة (22 يونيو) جاءت لتجعل من السلطة أداة تمثّل الإرادة الجماعية لنا جميعاً، وتجسّد إرادة الجماهير ومصالحها وتسخّر السلطة في خدمة الشعب.
- جاءت هذه الخطوة من أجل تطوير مؤسستي الجيش والأمن وتنظيمها والتزامها للقيادة السياسية، وتثقفيها ثقافة وطنية تقدمية كي تلعبا دورهما جنباً إلى جنب مع بقية قطاعات الشعب في تطوير الثورة وحمايتها.
- إنّ هذه الخطوة لا بد وأن تتيح المجال لمناقشة كل المشاكل والمعضلات التي تواجهنا، ويسهم التنظيم والشعب في مواجهتها وحلّها، سواء أكان ذلك على مستوى الأزمة المالية أم الاقتصادية(2).
الأسئلة التي طُرحت عن خطوة 22يونيو
وحول الأسئلة التي طرحيت عن خطوة 22 يونيو يقول :" كانت الأسئلة التي طُرحت عن خطوة 22 يونيو 1969م عديدة، وكذلك التقييمات والمواقف والتحليلات التي أُعطيت بحسب الظروف والمواقف السياسية التي غالباً ما جنحت عن الحقيقة، بحيث ضاعت الموضوعية، وتصدرت الأغراض والأهواء واجهة الصدارة.
وفي ضوء ذلك، طُمسَت أشياء كثيرة إيجابية في المرحلة التي سبقتها، وأعني بها عهد الرئيس الأول لليمن الجنوبي قحطان الشعبي، الذي ذهب ضحية الصراعات والنزعات الذاتية لرفاق الثورة، وهذا لا يعني عدم وقوع أخطاء صغيرة وكبيرة هي جزء من طبيعة البشر وجوهر الحياة، لكنها للأسف لم تواجه في الوقت المناسب بما تحتاج إليه من صلابة، وصدق، ورفاقية وحكمة، فتركت حتى اتسع نطاقها.
وأزعم أني أستطيع بعد مرور قرابة أكثر من (44) سنة على ما حدث، أن أحاول قول رأي أكثر حياداً وموضوعيةً، رغم أنني كنت أحد المشاركين الأساسيين في ما جرى، وشاهداً عليه، معتبراً ذلك مساهمة جادة مني في إيضاح الحقائق خدمة للتاريخ ولأجيالنا في المستقبل.
هل كانت خطوة(3) 22 يونيو 1969م حقاً ضرورية؟
ألم يكن ثمة إمكانية لتفادي حدوثها عبر حوار رفاقي بين مختلف الأطراف والآراء؟!
وهل كانت المواجهة حتمية بين قيادات "الجبهة القومية" بعد أن انتصرت في حرب التحرير وتحقيق الاستقلال وتسلّم السلطة؟
ثم ما طبيعة هذا الصراع؟
أهو حقاً ــ كما قيل يومها في إطار التنظيرات والبيانات "الرسمية" ــ صراع بين "اليمين" و"اليسار" كما سُمِّي داخل "الجبهة القومية"؟ وحتى خارجها؟!
أفكار سيارية
ويستطرد في حديثه :" كانت أفكار "اليسار" تزحف إلى "الجبهة القومية" منذ وقت، وامتزجت لدى بعض القيادات بنزعة متطرفة خطرة مضطربة إزاء الواقع السياسي والاجتماعي المتخلف في اليمن الجنوبي، فعجزت عن تحليل الواقع تحليلاً سليماً، وراحت تتعسفه وتنادي بتغييره على أسس "اشتراكية" لم تنضج لها الظروف بعد.
والذين هندسوا للصراع على أنه صراع بين "يمين" و"يسار"، كانوا يخفون نياتهم الحقيقية للصراع الذي لم يكن إِلا من أجل السلطة. فمن يتمكن من الإمساك بزمام القرار السياسي ومواقع النفوذ، يستخدمه في بسط سيطرته على الدولة والمجتمع، ولا شك في أنّ هناك أيادي خفيّة وغير مرئية كانت تقف خلف هذا الصراع الذي سُمِّي "اليمين الرجعي" و"اليسار الانتهازي" و"اليمين الانتهازي".( للحديث بقية )..
------------------------------------------------------------
هوامش /
1- تشكلت الحكومة من محمد علي هيثم رئيساً للوزراء، علي سالم البيض وزيراً للخارجية، محمد صالح عولقي وزيراً للدفاع، محمد صالح مطيع، وزيراً للداخلية، علي ناصر محمد، وزيراً للإدارة المحلية، محمود عشيش، وزيراً للمالية، محمد عبد القادر بافقيه، وزيراً للتربية والتعليم، حيدر العطاس، وزيراً للأشغال، علي مبارك محروق، وزيراً للاقتصاد والتجارة والتخطيط، أحمد سعيد صدقة، وزيراً للصحة، محمد علي عماية، وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية، عادل خليفة، وزيراً للعدل، عبد الله الخامري، وزيراً للثقافة والإعلام، محمد سالم عكوش، وزيراً للزراعة والإصلاح الزراعي.
2- صحيفة "الثوري" اليمنية، العدد 839 صادر في 23/ 6/ 1984م ص5.
3- و شهدت اليمن في شهر (حزيران/ يونيو) الكثير من الأحداث، منها: حركة 20 يونيو 1967م، واستقالة قحطان الشعبي في 22 يونيو 1969م، ومجيء الرئيس ربيع 22 يونيو1969م، ومقتله في يونيو 1978م، وتعييني رئيساً في يونيو 1978م، وخروج القاضي الإرياني من السلطة في 13 يونيو 1974م، ومجيء الرئيس علي عبد الله صالح في يوليو 1978م.