تشهد الأسعار ارتفاعاً قياسياً جديداً في جميع أنحاء العالم. وبناء على بيانات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 40% خلال الأشهر الـ15 الماضية. وهو أعلى ارتفاع مسجل منذ ما قبل موجة الانتفاضات العربية.
بعض الأسباب تعود لارتفاع موازٍ في أسعار السلع غير الغذائية، كالمعادن، فضلاً عن ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية الأساسية من فول الصويا إلى القمح. وما زاد من وتيرة الارتفاع، الصعوبات في سلاسل التوريد بسبب جائحة «كوفيد-19» والجفاف الذي ضرب مناطق الإنتاج الرئيسية، وزيادة الطلب على المنتجات الزراعية في الدول المتقدمة.
وهذه الظروف المأزومة تثير الكثير من القلق والمتاعب في العالم العربي، خاصة في مناطق حول وادي النيل ومناطق حول نهري دجلة والفرات في العراق. ولعل من أغرب المفارقات أن تكون هذه المناطق هي التي شهدت انطلاق مهنة الزراعة لأول مرة خلال التاريخ، ولكنها أصبحت اليوم من أكبر مستوردي الغذاء في العالم.
ويحتاج العالم العربي الآن إلى ثورة زراعية شاملة. وما يساعد على ذلك هو أن التقدم السريع الذي تشهده تكنولوجيات الميكنة الزراعية يعني أن الدول والمناطق الأقل خصوبة يمكن أن تصبح مصدراً رئيسياً لإنتاج السلع الغذائية التي يحتاج إليها العالم.
والآن، يبرز مفهوم الأمن الغذائي باعتباره قضية حيوية لكل بلدان العالم، ولا سيما في العالم النامي. وأدت مجموعة ظروف كالجفاف والحاجة للمياه وظاهرة التغير المناخي إلى تعطيل الأنظمة البيئية القديمة بالرغم من أن البلدان التي تمتلك أكثر التكنولوجيات الزراعية تقدما لا تزال تكتشف طرقاً وأساليب مبتكرة لإنتاج السلع الغذائية بالوفرة المطلوبة.
وفي الوقت الذي طلع فيه بعض المتشائمين قبل بضعة عقود بنظرية تفيد بأن الزيادة السكانية سوف تتجاوز قدرة الأرض على إنتاج ما يكفي من الغذاء، فلقد ثبت بطلانها تماماً. ونحن لا نعاني الآن من نقص في الإنتاج الزراعي ولكننا نفتقر لعنصر تنويع الإنتاج في المناطق المختلفة.
وتركّز شركة «ماكنزي الاستشارية» على حاجة الدول والمدن لتبنّي التكنولوجيات الزراعية للقرن الحادي والعشرين وتوسيع قواعد عمّال المعرفة. هذه هي بالفعل الاستراتيجية الحكيمة فضلاً عن أن الزراعة تتميز بارتفاع معدلات احتياجها للأيدي العاملة ويمكنها أن تساهم بشكل حيوي في الرفع من الناتج المحلي الإجمالي للدول وتحقيق الأمن الغذائي.
ومع هذا الارتفاع المتواصل في الأسعار، تعتمد بعض البلدان النامية على الشركات الكبرى المتخصصة بالاستثمار الزراعي في الدول المتقدمة، ولا بد لهذا الخلل والقصور أن ينتهي من خلال إطلاق الاستثمارات الوطنية السخيّة في ثورة زراعية جديدة تشمل العالم العربي كله.