بينما تتزايد التوترات التجارية عالمياً إذ يسعى الاتحاد الأوروبي والصين لتعزيز دور عملتي اليورو واليوان في التجارة عالمياً، والاستحواذ على حصة أكبر منها مقابل الدولار.
صرّحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أن اليورو يمتلك المقومات التي تؤهله ليكون بديلاً فعّالًا للدولار، شريطة أن تتمكن الحكومات الأوروبية من تعزيز البنية المالية والقانونية للاتحاد الأوروبي.
وأوضحت لاغارد أن التقلبات في السياسات الاقتصادية الأميركية دفعت العديد من المستثمرين حول العالم خلال الأشهر الأخيرة إلى تقليص انكشافهم على الأصول المقومة بالدولار، مشيرة إلى أن غياب بديل مباشر وواضح دفع كثيرين منهم إلى اللجوء إلى الذهب.
وأضافت أن الدور العالمي للدولار يشهد تراجعاً تدريجياً منذ سنوات، حيث انخفضت حصته من الاحتياطيات الدولية إلى 58%، وهو أدنى مستوى منذ عقود، وإن كانت لا تزال تفوق بكثير حصة اليورو التي تبلغ 20%.
وشددت لاغارد على أهمية أن يصبح اليورو العملة المفضلة لتسعير السلع في التجارة الدولية.
يأتي ذلك فيما طلب البنك المركزي الصيني من البنوك الكبرى في البلاد زيادة نسبة استخدام اليوان في تسهيل معاملات التجارة عبر الحدود، في خطوة جديدة تعكس مساعي بكين المتواصلة لتعزيز مكانة عملتها الوطنية على الساحة العالمية، وسط تصاعد التداعيات الناتجة عن الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة.
وبحسب مصادر مطلعة لوكالة "بلومبرغ"، رفع بنك الشعب الصيني الحد الأدنى الموصي به لنسبة المعاملات التجارية المقومة باليوان من 25% إلى 40%، وذلك ضمن تعديلات حديثة على ما يُعرف بـ"Macro Prudential Assessment".
وعلى الرغم من أن هذه النسبة ليست ملزمة رسمياً، فإن البنوك التي لا تلتزم بها غالباً ما تحصل على تقييمات تنظيمية أقل، مما قد يحد من قدرتها على التوسع في المستقبل.
ويعكس هذا الرفع الحاد في النسبة مدى إصرار بكين على تسريع وتيرة اعتماد اليوان في التجارة الدولية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من الاعتماد على الأصول المقومة بالدولار، خصوصاً في ظل السياسات التجارية التصعيدية التي تتبناها الولايات المتحدة.
من جانبه، قال رئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه، الدكتور ناصر السعيدي، في مقابلة أجرتها معه "العربية Business"، إن اليورو يشكل نحو 20% من الاحتياطات العالمية. لكن دوره في تمويل التجارة الدولية لا يتجاوز 6%. وفي الوقت ذاته، هناك تصاعد في الاهتمام باليوان الصيني.
وتابع: "إذا استمرت السياسات التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب أو تم تبني سياسات مشابهة، فقد يؤدي ذلك إلى تغييرات جيوسياسية وجيو-اقتصادية عميقة، ويُحتمل أن تتجه بقية دول العالم نحو استخدام عملات بديلة للدولار، واليورو قد يلعب الدور الأهم".
في الوقت ذاته قال السعيدي، إنه يجب ألا نغفل أن الوزن الاقتصادي لأوروبا على الساحة العالمية المتراجع مقارنة بالماضي، لا سيما أمام اقتصادات آسيا والدول العربية. فمثلًا، باتت الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين، الشريك التجاري الأهم للدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي.
الرنمينبي سيتفوق على اليورو
ولذلك توقع السعيدي أن يلعب اليوان الصيني أو الرنمينبي دورا متزايد الأهمية خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، مقارنة باليورو.
وقال السعيدي، إن الوقت قد حان لتنويع سلة العملات التي تعتمد عليها الدول لما لذلك من دور في الحد من التقلبات، وخاصة تلك الناجمة عن ضعف الدولار الذي نشهده حاليا.
وتابع: "يجب ألا ننسى أن ضعف الدولار يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، كما أن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة لا تزال مرتفعة في ظل اتجاه الاقتصاد نحو الركود التضخمي، وهذا الوضع يؤثر سلبا على أسواق النفط".
وقال إنه طالما استمرت الإدارة الأميركية في اتباع سياسات تؤثر سلبا على التجارة العالمية وعلى الاقتصاد الأميركي نفسه، فإن الدولار سيظل تحت الضغط. كما أن الأسواق المالية الأميركية تشهد تقلبات حادة نتيجة حالة عدم اليقين السائدة.