رغم تصاعد التحذيرات المصرية السودانية من مغبة بدء إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضة خلال موسم الأمطار القادم، ودون اتفاق أو تنسيق مع دولتي المصب، كثفت أديس أبابا استعداداتها تمهيدا لتلك الخطوة.
ووفق معلومات حصلت عليها "العربية.نت" من خبراء مصريين معنيين بهذا الملف الشائك والعالق منذ سنوات، فإن الوضع الحالي وحتى أمس الاثنين يؤكد أن الحكومة الإثيوبية بدأت بتجفيف الممر الأوسط للسد بالكامل، وباشرت الأعمال الإنشائية، تمهيدا لتعليته، وصب الخرسانة المسلحة، ما يعني أن الموعد المرتقب لبدء الملء الثاني سيكون 2 يوليو المقبل تزامنا مع بدء موسم الفيضان.
هل تنجح وساطة أميركا؟
تأتي تلك الخطوات قبل أيام قليلة من بدء جولة يقوم بها المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، لبحث أزمة السد، حيث سيجري لقاءات في مصر والسودان وإثيوبيا، وسط تأكيد كل من الخارجية السودانية والسلطات المصرية رفضهما عملية الملء الثاني، محذرتين من قيام أديس أبابا بهذه الخطوة دون اتفاق معهما.
لكن هل ستنجح الوساطة الأميركية هذه المرة في نزع فتيل التوتر وتعليق الأزمة مؤقتا قبل العودة لطاولة المفاوضات؟
للإجابة عن هذا السؤال، رأى الدكتور عبد الفتاح مطاوع رئيس قطاع مياه النيل السابق بوزارة الري المصرية أن "الجولة الأميركية لن تنجح إلا إذا التزمت إثيوبيا، وهو أمر مستبعد إذا ما استرجعنا الحالات السابقة التي توسطت فيها أميركا والاتحاد الإفريقي، فيما لم تبد إثيوبيا أي مرونة أو رغبة وإرادة في الوصول لحل" .
كما أضاف في تصريحات للعربية.نت أن الموقف الراهن لا يختلف كثيرا عما كان عليه قبل عامين، ما يفرض البحث في سيناريوهات أخرى، غير الوساطات التي تسعى إثيوبيا من ورائها إلى إضاعة الوقت حتى تنفذ الملء الثاني وتفرضه أمرا واقعا.
وأوضح أن "أميركا تدخلت العام الماضي ونجحت في الوصول لاتفاق، لكن أديس أبابا تنصلت في النهاية ورفضت التوقيع ومارست مراوغاتها المعتادة".
السيناريوهات الأخرى
أما عن السيناريوهات الأخرى التي يمكن من خلالها إجبار إثيوبيا على الالتزام، فقال الخبير المصري "لا توجد أي إشارات أو مؤشرات تدل على وجود رغبة إثيوبية في الالتزام لأسباب سياسية تتعلق بقرب الانتخابات لديها (مقررة الشهر المقبل)، وما قد تفضي إليه من اختيار رئيس وزراء جديد، لذا يجب إرسال تحذيرات بلغة حادة إلى إثيوبيا.
ابتزاز محلي
وتابع معتبراً أن الموقف الإثيوبي تجاه الوساطات، لطالما وصل إلى طريق مسدود، لأن أديس أبابا تستخدم مياه نهر النيل كمادة للابتزاز السياسي المحلي وإيهام مواطنيها بأن هناك عدوا خارجيا يتربص بهم، ويمنعهم من استخدام موارد النهر، فضلا عن أن الرضوخ في قضية السد الآن، حسب مفهوم أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي وفي ظل النزاع مع إقليم تيغراي، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب، قد يضعف موقفه في الانتخابات.
بارقة أمل
إلى ذلك، رأى أنه يجب التركيز سواء من قبل الوسطاء أو دولتي المصب على التفاوض هو السبيل الأفضل للوصول لحل، فيما عدم الوصول لاتفاق سيؤدي حتما إلى عدم استقرار إقليمي، وقد يفضي لنزاع مسلح يهدد مصالح المنطقة وأمنها، خاصة أن مصر والسودان تعتبران تلك القضية مسألة حياة ووجود.
كما اعتبر أن هناك بارقة أمل أخرى قد تخفف أو توقف التوتر على الأقل خلال العام الحالي، وتتجسد بتدخل الطبيعة، بمعنى أن يأتي الفيضان مبكراً قبل موعده، عندئذ ستتوقف تعلية السد، وتتوقف معها عملية الملء الثاني حتى إشعار آخر.