بعد عام 2000، أدت العولمة وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى تعزيز النمو الاقتصادي بشكل فلكي بين الدول ذات الاقتصادات الناشئة. وعلى مدى العقد الأخير تضاعف نصيبهم من الاقتصاد العالمي تقريباً، ونما إلى 35%.
بحلول عام 2007، ورد ذكر 107 من أصل 110 اقتصادات نامية في جدول Penn World Table الذي يرصد اللحاق بالولايات المتحدة في ما يخص متوسط الدخل، هذا الأمر ساعد الملايين على الهروب من براثن الفقر، وتم التعبير عن هذا الإنجاز بعبارة شهيرة: "صعود البقية".
ثم جاءت أزمة عام 2008، وانخفضت تدفقات التجارة ورأس المال وأسعار السلع الأساسية، وبدلا من أن تتعافى، شهدت الاقتصادات الناشئة ركوداً في حصتها من الاقتصاد العالمي في 2010، وتراجعت نصف الدول في Penn World Table عن سباق اللحاق بالولايات المتحدة.
في مقال له نشرته Times Of India، يرى روتشير شارما، كبير الاستراتيجيين العالميين في Morgan Stanley لإدارة الاستثمار، ومؤلف كتاب "القواعد العشر للأمم الناجحة"، أن النجوم الجدد مثل البرازيل وروسيا بدأوا في النمو بشكل أبطأ من الاقتصاد الأميركي. وباستثناء الصين، سقطت "البقية" عن رادار وسائل الإعلام العالمية والأسواق المالية. على الرغم من أنه وفي معظم العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، نمت الاقتصادات المتقدمة والناشئة بوتيرة مماثلة.
من بين 195 اقتصادًا يتتبعها صندوق النقد الدولي، هناك 39 اقتصادًا "متقدمًا" فقط، وكان معظمها قد تقدم بالفعل بحلول عام 1945.
البلدان القليلة التي خرجت من دائرة الفقر وانضمت إلى الطبقة المتقدمة يتم الاحتفال بها على أنها "معجزات" مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان. سرهم: التصنيع التصديري، والذي من خلال جلب الإيرادات من جميع أنحاء العالم يمكن أن يحافظ على معدلات النمو التي ستكون مستحيلة التحقيق في السوق المحلية وحدها.
اليوم، بدأت قوة التصنيع والصادرات بالتقلص في الاقتصاد العالمي، وقد يكون من الصعب تخيل ما الذي سيخلق معجزات النمو في المرحلة التالية.. "هذا ما يفسر الصمت الذي يبتلع الاقتصادات الناشئة"، بحسب كبير الاستراتيجيين العالميين في Morgan Stanley لإدارة الاستثمار.
لكن في الاقتصادات، كما في الطبيعة، كل شيء يتغير، وتحولات وباء كورونا توفر بالفعل إمكانيات تنشيط لعدد قليل على الأقل من الاقتصادات الناشئة. وتشمل هذه التحولات ثورة رقمية متسارعة، وإصلاحاً اقتصادياً، وانتعاشاً في أسعار السلع الأساسية.
الثورة الرقمية
يعمل الوباء على تسريع اعتماد التكنولوجيا الرقمية، والتي لها تأثير قوي بشكل خاص على الاقتصادات غير الناضجة.
رغم أن تأثير التكنولوجيا الرقمية يقتصر إلى حد كبير على الاقتصادات المحلية، مع عدم وجود دعم إضافي من الصادرات، لكنها يمكن أن تساهم في تحول الاقتصادات الناشئة المحلية بشكل متزامن ومستدام.
البلدان ذات الاقتصادات النامية أقل ارتباطًا بـ "البنية التحتية القديمة"، لذا فهي تعتمد التكنولوجيا اللاسلكية بشكل أسرع من البلدان ذات الاقتصادات المتقدمة. وعلى الرغم من المشاكل في الصناعات القديمة التي تديرها الدولة، لا تزال الصين تنمو بشكل أسرع من الولايات المتحدة، حيث تلحق بمتوسط الدخل، بفضل الظهور السريع "لاقتصادها الجديد" غير النقدي.
وتنتشر شركات الإنترنت الجديدة بسرعة خارج الصين أيضًا، من روسيا وبولندا إلى الأرجنتين وكينيا. وفي المتوسط، تتزايد الإيرادات الرقمية، وتنخفض تكلفة بدء الأعمال التجارية، بشكل أسرع في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة عنها في البلدان ذات الاقتصادات المتقدمة.
ومن المعروف أن التأثير الاقتصادي للثورات التقنية يميل إلى اكتساب الزخم بمرور الوقت والذروة تأتي بعد عقود من الاختراع الأصلي. وبما أن الثورة الرقمية حديثة العهد، فمن المرجح أن تأثيرها الأكبر على نمو الاقتصادات الناشئة لم يحدث بعد.
الإصلاح
يورد المقال تطوراً رئيسياً آخر هو الإصلاح الاقتصادي. لكن واحداً من أكبر العوائق على الآفاق طويلة الأجل لهذه الدول هو أنها تميل إلى الوقوع في دائرة من النجاح والفشل، حيث يتم إصلاحها فقط عندما تدخل في أزمة، مما يؤدي إلى تبديد مكاسب فترة الازدهار. لكن يمكن الاعتماد على أزمة بحجم وباء كورونا لفرض إصلاحات كبيرة، وقد حدث ذلك بالفعل.
وفيما تكثف الولايات المتحدة والدول الأخرى ذات الاقتصادات المتقدمة الإنفاق لتخفيف الآلام المالية للوباء، ستكون هناك عواقب سلبية على النمو في المستقبل. وبسبب افتقار البلدان الفقيرة إلى وسائل الإنفاق نفسها، فإنها تدفع بالإصلاحات التي من المفترض أن تعزز الإنتاجية والنمو، رغم أنها لا تحظى بشعبية في الغالب.
السلع الأولية وآفاق الأسعار
لسوء الحظ، تعتمد العديد من الاقتصادات الناشئة على صادرات النفط والمعادن والمنتجات الزراعية والسلع الأخرى، لذلك تتغير آفاقها مع أسعار تلك السلع. ومع ذلك، في العقود التي ارتفعت فيها أسعار السلع الأساسية، زاد عدد الاقتصادات النامية التي تلحق بنظيراتها المتقدمة.
الآن، بعد عقد من الهبوط، أجبر المنتجين على تقليص فائض العرض، وتشير قوى السوق إلى انتعاش أسعار السلع الأساسية في عشرينيات القرن الحالي. وهذا بدوره من شأنه أن يرفع ثروات الأسواق الناشئة مثل البرازيل وروسيا والسعودية، على الأقل حتى تنعكس دورة السلع الأساسية مرة أخرى.
وإن كان هناك عدد قليل من الدول ستكسب من التصنيع التصديري، فإن كثراً لديهم فرصة للازدهار على خلفية الإصلاح الاقتصادي، أو انتعاش محتمل في أسعار السلع الأساسية أو الثورة الرقمية المتسارعة. لن تعيد محركات النمو هذه "صعود البقية"، لكنها ستكون كافية لتحريك عدد قليل من النجوم، بحسب كبير الاستراتيجيين العالميين في Morgan Stanley لإدارة الاستثمار.