انفجار غامض، ارتفاع في مستوى الإشعاع، تقارير رسمية متأخرة، وتناقض في المعلومات.. وقائع خرجت من مدينة سيفيرودفينسك الروسية أعادت إلى الأذهان كابوس كارثة تشيرنوبل والمآسي التي نجمت عنها.
فالمعلومات الشحيحة والمتدرجة التي قدمتها السلطات الروسية في الكشف عن وقوع الحادث النووي، يوم الثلاثاء الماضي، وعلى الرغم من أنه أقل خطورة من كارثة تشيرنوبل عام 1986، إلا أنه أثار العديد من المخاوف.
يأتي ذلك في وقت تجد السلطات الروسية نفسها في موقف لا تحسد عليه، في الإسراع نحو اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وتقليص حجم الأضرار التي قد تنجم عن مثل هذه الانفجارات، حتى لا يغدو انفجار يوم الثلاثاء أشبه بكابوس تشيرنوبل.
وظهر التضارب في التصريحات الأولية يوم الجمعة الماضي، والتي نقلتها وكالات الأنباء الرسمية، إذ قال الجيش الروسي إن حريقًا اندلع عندما انفجر محرك صاروخ يعمل بالوقود السائل في موقع اختبار.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يتعارض ذلك مع تقرير صادر عن السلطات المحلية في مدينة سفيرودفينسك، الذي قال إن عدادات الإشعاع سجلت ارتفاعا.
وذكرت وسائل الإعلام الروسية في وقت لاحق أن الإشعاع ارتفع لفترة قصيرة إلى 200 مرة عن المستويات الطبيعية.
وبانتشار التقارير عبر المواقع الإلكترونية، استنفر سكان المدينة للتزود باليود، وهو وسيلة لحماية الغدة الدرقية من امتصاص الإشعاع.
أزمة معلومات
وقال ألكسندر نيكيتين، وهو ضابط بحري روسي سابق وباحث في مجموعة بيلونا البيئية النرويجية لصحيفة نيويورك تايمز: "يجب أن تكون هذه المعلومات متاحة" لإبلاغ أولئك الذين قد يتعرضون أو يرغبون في اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
وبعد أربعة أيام على الحادث، قالت السلطات الروسية إن 5 علماء نوويين توفوا أثناء إجراء تجربة على سلاح جديد في القاعدة العسكرية.
وظهرت موجة من التقارير الغامضة والمضللة، والتي تعيد إلى الأذهان حادث تشيرنوبل قبل ثلاثة عقود، والتأخيرات المميتة في إعطاء تقارير رسمية، وهي الطريقة التي اعتمدتها السلطات الروسية في الاعتراف بكارثة الإشعاع النووي.
وكانت وكالة تاس قد نشرت في البداية تقريراً يقول إن مستويات الإشعاع كانت طبيعية بالقرب من الحادث، وهو الأمر الذي شكك فيه العلماء يوم الأحد.
ونقلت نيويورك تايمز عن بوريس فيشنفسكي، عضو مجلس مدينة سانت بطرسبرغ، إن العشرات من الأشخاص اتصلوا بهم، وطلبوا توضيحات حول مخاطر الإشعاع.
وأشار فيشنفسكي إلى أن الناس في حاجة إلى معلومات موثوقة، "وإذا اعتقدت السلطات أنه لا يوجد خطر، ولا يجب القيام بأي شيء، فدعهم يعلنون ذلك رسميًا حتى لا يقلق الناس ».
على خطى "تشيرنوبل"؟
بعد وقوع كارثة تشيرنوبل مباشرة، أبقت السلطات السوفيتية مواطنيها إلى حد كبير في جهل عما يدور، فيما لم تبذل أي محاولة لتنبيه السكان أو المناطق المجاورة.
وفي 28 أبريل عام 1986، بدأ التكتم يفتضح، عندما اكتشف المراقبون الجويون في السويد كميات كبيرة من الإشعاع في الجو بدا أن مصدره الاتحاد السوفيتي.
وبعد الضغط عليهم للحصول على إجابة، اعترف السوفييت أن حادثًا أدى إلى مقتل شخصين في تشيرنوبل، واستمر التعتيم بقولهم إن الوضع تحت السيطرة.
وأدى التكتم السوفياتي واستخفافه بشأن إعلان حالة الطوارئ والإجلاء، ونشر توجيهات باتخاذ إجراءات السلامة، إلى تسجيل أضرار لا يزال يعاني منها آلاف السكان الروس إلى يومنا هذا.
إذ بمجرد سماع دوي الانفجار وصل أول رجال الإطفاء إلى مكان الحادث، وليس لديهم أدنى معرفة بالإشعاع ولا يرتدون ملابس واقية، مما أحدث وفيات بين رجال الإطفاء.
واستمرارا للتعتيم، رفض مسؤولون سوفييت إلغاء احتفالات عيد العمال في كييف، حتى مع استمرار انتشار الإشعاع، مما أدى إلى تعريض عدد كبير ممن خرج في الاحتفالات إلى الإشعاع.
كما استغرق الأمر حتى 6 مايو، لتغلق السلطات المدارس في كييف، العاصمة الأوكرانية الواقعة على بعد حوالي 65 ميلاً من المصنع.
ضحايا تشيرنوبل
تسببت الآثار الإشعاعية الحادة لحادث تشيرنوبل في مقتل 28 من عمال الموقع البالغ عددهم 600عامل في الأشهر الأربعة الأولى بعد وقوع الحادث.
وتلقى 106 عامل آخر جرعات عالية من الإشعاع، فيما تلقى 200 ألف عامل تنظيف آخر بين عامي1986 و 1987 جرعات تتراوح بين 1 و 100 rem(يبلغ متوسط جرعة الإشعاع السنوية للمواطن الأميركي حوالي 0.6 rem).
وتطلبت أنشطة تنظيف تشيرنوبل في النهاية حوالي 600 ألف عامل، رغم أن نسبة ضئيلة فقط من هؤلاء العمال تعرضوا لمستويات عالية من الإشعاع.
كما تسبب الحادث في تلويث مناطق واسعة من بيلاروسيا والاتحاد الروسي وأوكرانيا.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة غرينبيس عام2006، فإن إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن كارثة تشيرنوبل على مدار 15 عاما، وصلت إلى 200ألف حالة وفاة في أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا.
وذكر التقرير أن جرى تسجيل 270 ألف حالة سرطان في بيلاروسيا وحدها.