فتحت الزيارة الأولى لمدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا إلى السودان السبت، ملف تسليم الرئيس المعزول عمر حسن البشير وعدد من رفاقه المتهمين في ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات إنسانية في إقليم دارفور.
وأكدت الحكومة الانتقالية السودانية في بيان لها السبت، أن بنسودا ستناقش “سبل التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية والخرطوم، بخصوص المتهمين الذين أصدرت المحكمة بحقهم أوامر قبض”.
ويرافق فاتو بنسودا 4 من أعضاء المحكمة الجنائية، في زيارة تستمر حتى الأربعاء المقبل، تلتقي خلالها عددا من المسؤولين، في مقدمتهم رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك، ووزيرا الخارجية والعدل، والنائب العام وبعض المنظمات المدنية.
ويشير وصول بنسودا إلى الخرطوم لأول مرة إلى أن هناك رغبة جادة من الحكومة الانتقالية لتسليم البشير، وحال أبدى السودان موقفا غير ذلك فإن المدعية الجنائية، كانت سوف تنتظر حتى انتهاء تحقيقات القضاء المحلي، وما يسفر عنه قبل توجهها للخرطوم، وفي تلك الحالة كانت رفعت يدها بشكل تام عن القضية.
ورحبت هيئة محامي دارفور السبت، بزيارة المدعية الدولية، واعتبرتها في حد ذاتها حدثا تاريخيا للسودان وتطمئن أسر الضحايا، وعلامة على اتجاه الدولة لمباشرة تعهداتها، والوفاء بتسليم كافة المطلوبين، وعلى رأسهم المخلوع عمر البشير.
وتعد الهيئة ممثلة قانونية لكثيرين وكثيرات من ضحايا الجرائم المرتكبة بواسطة البشير ورفاقه بموجب توكيلات قانونية من ذوي الصفة، وعبر متابعتها المستمرة لا تتعدى الجرائم المقيدة أمام محكمة الجنايات الدولية في مواجهة مرتكبيها بضع قضايا من الجرائم المرتكبة فعليا.
وأعادت زيارة المسؤولة الرفيعة في المحكمة الجنائية ملف جرائم البشير و51 من مساعديه إلى الواجهة مرة أخرى، بعد أن خفت في الفترة الماضية، أو توارى في ظل زحمة الأزمات التي يمر بها السودان، وربما أرادت جهات سياسية تجاهله، خوفا من تداعياته على قيادات عسكرية تشارك في السلطة، وبدا أن هناك انقساما حول مسألة تسليم البشير للمحكمة الجنائية.
وأعلن وزير الإعلام السوداني والمتحدث باسم الحكومة فيصل محمد صالح، في فبراير الماضي، أنه قد يتم إرسال البشير إلى لاهاي لمحاكمته أمام الجنائية الدولية أو محاكمته أمام محكمة خاصة، أو محكمة مختلطة في السودان.
واعتبر المدعي العام السوداني في يونيو الماضي، أن ملف البشير وتسليم المتهمين في جرائم دارفور للجنائية الدولية “قضية سيادية”، في إشارة تعني رفض التسليم.
وأصدرت المحكمة الجنائية عام 2009 لائحة اتهام ضد البشير، تضمنت اتهامه بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور.
ووجهت اتهامات لوزير الدفاع في عهده، الفريق عبدالرحيم محمد حسين، ووزير الدولة بالداخلية أحمد هارون، وزعيم ميليشيا الجنجويد علي محمد علي عبدالرحمن، المعروف بـ”علي كشيب”، والذي سلم نفسه طواعية وهو في دولة أفريقيا الوسطى، في يونيو الماضي، وبعدها شهدت المحكمة أولى جلسات محاكمة كوشيب.
وأصبح تسليم البشير مطلبا مهما لعدد كبير من الحركات المسلحة في دارفور، والتي توصلت إلى اتفاق مع السلطة الانتقالية خلال مفاوضات السلام إلى اتفاق قضى بمثول البشير أمام المحكمة الجنائية، اقتناعا بضرورة تحقيق العدالة.
وقال الخبير القانوني السوداني كمال الجزولي، إن زيارة بنسودا تحمل دلالات شديدة الأهمية، لأنها تحسم بشكل نهائي تسليم المتهمين من عدمه، في ظل وجود جملة من المواثيق والقرارات الدولية تجعل تسليم البشير أمرا حتميا يصعب الهروب منه.
وأضاف الجزولي في تصريح لـ”العرب”، أن “الزيارة تكشف أيضا ما إذا كان سيحاكم المطلوبون أمام المحكمة الجنائية في مقرها الرئيسي في لاهاي بهولندا، أم أمام محكمة جنائية جديدة يجري تشكيلها في الخرطوم، أو أمام محكمة مختلطة تجمع بين قضاة ومدّعين سودانيين وآخرين تابعين للمحكمة الجنائية الدولية”.
ويقول خبراء آخرون، إنه لا يوجد أساس قانوني لمحاكمة البشير ومساعديه على جرائم الإبادة والحرب وجرائم ضد الإنسانية وفقا للقانون السوداني، لأن تلك الجرائم لم يكن من المنصوص عليها في القانون الجنائي الصادر في العام 1991، وجرى إضافتها للقانون في العام 2009، أي بعد ارتكاب هذه الجرائم بنحو خمس سنوات.
لكن هيئة محامي دارفور، أكدت مخاطبة الجهات المعنية في السودان للوفاء بالتعهدات والالتزامات، والتعاون مع المحكمة وتسليم جميع مرتكبي الجرائم، وتسهيل أي إجراءات يمكن أن تتخذ في الحصول على أي بينة تطلبها محكمة الجنايات.
ودفعت الهيئة قبل فترة بمذكرة إلى مكتب مدعية المحكمة الجنائية تضمنت ملاحظاتها في القصور والثغرات، وضرورة انتقال الادعاء الجنائي إلى مسارح الجرائم المرتكبة في دارفور وإعادة رسمها وتصويرها، لاستنباط ظروف ارتكاب الوقائع والأفعال.
وأشار المحلل السياسي السوداني خالد فكي، إلى أن “الزيارة تشكل بارقة أمل لضحايا دارفور وأسرهم الذين ينتظرون استرداد حقوقهم من البشير، وتعطي دفعة لتنفيذ اتفاق السلام الذي أشار إلى تسليمه ومساعديه المطلوبين”.
وأوضح فكي لـ”العرب”، أن تحركات هيئة محامي دارفور وتوالي البلاغات التي قدمها ذوو الضحايا إلى المحكمة الجنائية، إلى جانب تحركات أخرى دولية قادها رئيس حركة جيش تحرير السودان عبدالواحد محمد نور، المقيم في باريس، أسهمت في تسريع تحركات المحكمة الدولية، وقد يحسم الأمر نهائيا في زيارة مدعيتها للخرطوم.