استضافت فرنسا الغارقة في جدلية حول العنصرية نسخة كأس العالم 1998، فأحرزت أخيراً لقبها الأوّل بقيادة الجزائري الأصل زين الدين زيدان، على حساب البرازيل المصدومة بنوبة صرع تعرّض لها "الظاهرة" رونالدو في يوم النهائي من بطولة شهدت مواجهة سياسية بين الولايات المتحدة وإيران.
بعمر الحادية والعشرين، كان رونالدو أفضل لاعب في العالم. قبل أربع سنوات، كان ضمن عداد بطل المونديال دون أن يلعب، إذ قال: تعلّمت الكثير من أمثال روماريو وبيبيتو. كان روماريو يطلب مني إحضار حذائه أو القهوة، كما لو أني طفل. لم يكن تقليل احترام، لكن التسلسل الهرمي فرض ذلك.
بلغ النهائي مسجلاً أربعة أهداف، لكن ما حصل لأفضل لاعب في البطولة يوم النهائي ضد فرنسا، بقي لغزاً في تاريخ البطولة.
شرح رونالدو: بعد الغداء أُصبت بتشنج. أحاط بي اللاعبون، ثم طلب مني زميلي ليوناردو الذهاب بنزهة في حديقة الفندق وشرح الوضع برمته. قيل لي إني لن أخوض النهائي.
أردف "الظاهرة": بعد عودتي من المستشفى منحني الطبيب ليديو توليدو الضوء الأخضر. اقتربت من ماريو زاغالو وقلت له أنا بخير، لا أشعر بأي شيء. ها هي نتائج الاختبارات، أريد أن ألعب.
وبعد إزالة اسمه عن ورقة المباراة، عاد رونالدو ولعب وكان شبحاً لهداف فتاك، فخسرت البرازيل بثلاثية نظيفة. كثرت نظريات المؤامرة، على خلفية ضغط شركة نايكي الراعية لرونالدو من أجل مشاركته.
زميله بيبيتو قال: ما حصل مع رونالدو ضرب توازن الفريق القلق على صحته. الجميع كان يركض، إدموندو كان يصرخ بأن رونالدو يموت، وادعى الطبيب توليدو أن رونالدو كان يتنفس بصعوبة في الغرفة والزبد يسيل من فمه، فيما تحدثت تقارير عن حدوث تشنّج، نوبة صرع أو حتى توقف في القلب.
كانت فرنسا تستقبل النهائيات وسط انتقادات من اليمين المتشدّد بأنها "منتخب أجانب".
المنتخب الغائب عن مونديالي 90 و94 بعد بلوغه نصف النهائي في 82 و86، تعرّض مدرّبه إيميه جاكيه لانتقادات لاذعة، خصوصاً بعد استبعاده النجمين إريك كانتونا ودافيد جينولا.
استهل "الزرق" مشوارهم متوترين، فقال لاعب الوسط إيمانويل بوتي: قبل المباراة الأولى ضد جنوب إفريقيا (3-0)، كان الضغط كبيراً. في الحافلة نحو الملعب كنت أرى بعض اللاعبين يتعرّقون.
لكن خطاب المدرب إيميه جاكيه لعب دوره، فقال المدافع مارسيل دوسايي: ثقة جاكيه ساعدتنا كثيراً.
صحيح أن فرنسا حققت ثلاثة انتصارات في دور المجموعات، إلا أن نجمها زيدان طُرد في المباراة الثانية ضد السعودية (4-0). حمل زملاؤه العبء وتخطوا الباراغواي في دور الـ16، بأول هدف ذهبي حمل توقيع المدافع لوران بلان.
ركلاتُ ترجيح ضد إيطاليا في ربع النهائي، ثم ثنائية غير متوقعة من المدافع ليليان تورام، قلبت الطاولة على المفاجأة الكرواتية في نصف النهائي (2-1).
لم يكن تورام قد سجّل أي هدف في 37 مباراة دولية. لكن بعد افتتاح دافور شوكر الأرقام، هزّ تورام الشباك مرّتين وكان أكثر المندهشين لهذا الإنجاز.
في أوّل نهائي لفرنسا، كسب جاكيه معركة تكتيكية أمام المخضرم زاغالو، رغم تواجد رونالدو وريفالدو وبيبيتو وكافو وروبرتو كارلوس.
عشية نهائي باريس بقيادة الحكم المغربي سعيد بلقولة، دخل بلان، الغائب بسبب الإيقاف، إلى غرفة زيدان، وعن ذلك يقول: طلبت من زيزو الارتقاء قليلاً في الكرات الثابتة، نقطة ضعف البرازيليين.
لم يكتف زيدان بارتقاء واحد، بل سجّل هدفين برأسه إثر ركنيتين في الشوط الأوّل، وضرب بوتي المسمار الأخير في النعش البرازيلي، فنال صاحب الشعر الأشقر الطويل ثناءً إضافياً، إذ قال: الرئيس جاك شيراك أبلغني عند تسليم الكأس (أنت اللاعب المفضّل لدى زوجتي).
على وقع قبلات بلان على صلعة الحارس فابيان بارتيز، نزل مليون شخص إلى جادة الشانزيليزيه احتفالاً، وكُتب على قوس النصر "شكراً زيزو"، وكما هو مذكور في النشيد الوطني "لا مارسييز": "لقد جاء يوم المجد" في 12 يوليو 1998.
واختيرت فرنسا على حساب المغرب، فباتت ثالث دولة تحتضن النهائيات مرتين، وبنت ملعب "استاد دو فرانس" الرائع في ضاحية سان دوني الباريسية. انتُخب على هامش البطولة السويسري جوزف بلاتر رئيسا لفيفا، خلفاً للبرازيلي جواو هافيلانج، واقيمت النهائيات بمشاركة 32 منتخباً للمرة الأولى، بعد أن كان العدد منذ 82 يقتصر على 24 منتخباً فقط، نظراً لتفكّك كتلة الشرق وارتفاع عدد المنضوين تحت لواء فيفا (151 في 85 وأكثر من مئتين في 2000).
شاركت في النهائيات ثلاثة منتخبات عربية هي المغرب والسعودية وتونس، وكان الأول على وشك بلوغ الدور الثاني مرة ثانية بعد 86، بيد أن خسارة البرازيل أمام النرويج 1-2 في الدقيقة الأخيرة من ركلة جزاء جدلية منعته من ذلك.
وكان الحكم السويسري أورس ماير يتابع القرعة عندما وقعت الولايات المتحدة وإيران في مجموعة واحدة، ويقول: عندما رأيت قرعة المونديال، صرخت بعد وقوع الولايات المتحدة مع إيران هذه مباراتي! ستكون واحدة من أكثر المباريات مشحونة سياسياً في التاريخ. فبدأت أتدرّب لها وبالفعل هذا ما حصل.
اقترح السويسري ماير، التقاط الصورة التذكارية للفريقين سوياً، بدلاً من كل واحد على حدة.
وافق فيفا شرط عدم تواجد الحكام بين اللاعبين. رفض ماير مقحماً نفسه مع مساعديه في الصورة، ليتبين لاحقاً أن فيفا اعتمد صورة المنتخبين من دونه. فازت إيران 2-1 دون مشكلات، لكنهما ودعتا سوياً من الدور الأول.
وبعد انتهاء حقبة مارادونا، تخطت الأرجنتين غريمتها إنجلترا بركلات الترجيح في دور الـ16، بعد طرد النجم الإنجليزي الصاعد ديفيد بيكهام لركله دييغو سيميوني.
قال زميله مايكل أوين صاحب هدف رائع في المباراة: ما قام به لا يستحق ربما بطاقة حمراء، لكنه كان صبيانياً وغير ضروري.
توقف مشوار الأرجنتين في الدور التالي أمام هولندا (1-2) وفنانها دنيس بيرغكامب، قبل رضوخ البرتقالي لتفوق البرازيل وركلات الترجيح في المربع الأخير.
وبعد ست سنوات من تفكّك يوغوسلافيا، جمع المدرب ميروسلاف بلاجيفيتش تشكيلة جميلة لمنتخب كرواتيا، ضمّت أمثال زفونيمير بوبان وروبرت بروزينيتسكي الذي أصبح أول لاعب يسجّل لمنتخبين في كأس العالم، بعد يوغوسلافيا 1990.
تخطى الكروات رومانيا وشعر لاعبيها المصبوغ بالأصفر، ما عدا الحارس الأصلع بوغدان ستيليا.
تركت بصمة رائعة في ربع النهائي، عندما أسقطت ألمانيا الجبارة بثلاثية نظيفة، قبل أن تهدر تقدّمها في نصف النهائي ضد فرنسا، ثم تحلّ ثالثة على حساب هولندا، حيث وقّع شوكر على سادس أهدافه محرزاً لقب الهداف.