تتعرض "وثيقة اتفاق الطائف" التي أنهت الحرب الأهلية في لبنان عام 1989، منذ فترة إلى محاولات الإطاحة بها أو تغييرها عبر ممارسات يقودها "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل ومن خلفه مليشيا حزب الله.
وتأتي هذه الممارسات مرة تحت شعار استعادة حقوق المسيحيين والدفع نحو شمولية المناصفة في الدولة اللبنانية ومؤسساتها، ومرة أخرى عبر استهداف صلاحيات رئاسة الحكومة، وهو ما بدأ يظهر في محطات عدة بداية من الانتخابات النيابية العام الماضي، مرورا بمرحلة تشكيل الحكومة، وصولا إلى ما يحصل اليوم من ضغوط يتعرض لها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لجهة تعطيل جلسات مجلس الوزراء، ومنع انعقادها تحت شروط معينة.
مواجهة غير معلنة
هذا التعطيل وصل الجمعة إلى "مواجهة غير معلنة" بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، وذلك بعد طلب الأول من الثاني الدعوة إلى جلسة بعد شهر من عدم انعقاد الحكومة، لترد مصادر رئاسة الحكومة عبر إعلام "تيار المستقبل" بالقول إن الحريري يدرك صلاحياته تماما، ويتحملها على أكمل وجه، ورغم أن خطوة عون توضع في خانة صلاحياته الدستورية لكنها أدت إلى زيادة تأزم الوضع السياسي.
ودخل تعطيل الحكومة اللبنانية شهره الثاني، وذلك إثر ما بات يعرف بحادثة الجبل التي وقعت على خلفية زيارة باسيل إلى المنطقة، وهو ما رفضه مناصرو "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وأدى إلى مواجهة بينهم وبين مناصري "الحزب الديمقراطي اللبناني"، ومقتل اثنين من مرافقي وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، ومن ثم تمسك حزب الله وحلفائه بإحالة القضية إلى المجلس العدلي، وهو ما يرفضه رئيس الحكومة سعد الحريري، ما أدى إلى تعطيل مجلس الوزراء.
خطاب طائفي
يترافق هذا التعطيل ومحاولات تغيير "اتفاق الطائف" مع خطاب طائفي يقوده كذلك باسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون)، وهو ما استدعى ردا ليس فقط كلاميا إنما عمليا تمثل قبل ثلاثة أسابيع في زيارة رؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة، وتمام سلام، ونجيب ميقاتي إلى المملكة العربية السعودية، حيث كانت مواقفهم مثل مواقف المسؤولين في المملكة واضحة بشأن رفض المساس باتفاق "الطائف" والمحافظة على مكانة وصلاحيات رئاسة الحكومة.
ويكاد الفرقاء اللبنانيون، وتحديدا خصوم حزب الله "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" يجمعون على أن باسيل لم يكن ليقدم على ما يفعله لولا دعم حزب الله له، حتى أنهم يعتبرونه واجهة لما يريده الحزب ومن خلفه طهران لأهداف تفيد مشروعها في المنطقة، واصفين ما يحصل اليوم بالخطاب الذي سبق الحرب الأهلية واغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005.
محمد الحجار النائب في "تيار المستقبل" الذي يرأسه الحريري قال لـ"العين الإخبارية" إن هذه الخطابات والسلوكيات يتضح منها أن هناك من يريد اللعب بالنار خدمة لأهداف خارجية تفيد المشروع الإيراني في المنطقة.
وأضاف أن "ما يحصل اليوم يذكرنا بالفترة التي سبقت الحرب الأهلية، كما قبل اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، وهذا ما لن نقبل به كما لن نقبل المساس باتفاق الطائف الذي أنهى الحرب، وكذلك بصلاحيات رئيس الحكومة".
وأكد الحجار قائلا: "سنقف في وجه كل محاولات التعطيل، وثوابتنا واضحة هي الدستور واتفاق الطائف كما السلم الأهلي والاعتدال"، ومن يدفع باتجاه تغيير اتفاق الطائف نقول له فليطبق أولا هذا الاتفاق كما يجب، وبعد ذلك سنكون مستعدين للحوار بأي تعديلات بشأنه".
تفسير المادة 95 من الدستور
هذا المسار نفسه ظهر أخيرا عبر اعتراض باسيل ورئيس الجمهورية على المادة 80 في موازنة العام 2019 التي نصت على حفظ حق الناجحين في امتحانات التوظيف في المؤسسات الرسمية، وذلك بعد مرور أشهر على إعلان النتائج، لكن تم تجميد مراسيم تعيينهم بحجة عدم المناصفة، علما بأن المادة 95 في الدستور تنص على أن المناصفة تطبق فقط في الفئة الأولى.
وانطلاقا من الخلاف على هذا الأمر، وفي خطوة هي الأولى من نوعها عمد رئيس الجمهورية إلى الطلب من مجلس النواب إعادة تفسير المادة 95 نظرا إلى الاختلاف الحاصل بشأنها بين من يعتبر أنها تنص على المناصفة في كل المراكز وبين من يعتبر أنها تقتصر فقط على المراكز الأولى.
وقد أدى هذا الأمر إلى سجال طائفي محتدم في لبنان وصل إلى مرحلة التهديد بالعد، أي العد بين المسلمين والمسيحيين، خاصة بعد ظهور إحصاء قبل أيام يظهر أن اللبنانيين ينقسمون بين 30% من المسيحيين و70% من المسلمين.
وهنا يؤكد النائب الحجار، أن المادة 95 في الدستور واضحة ولا تحتاج إلى تفسير، وقال: "بما أن رئيس الجمهورية طلب ذلك وحدد رئيس البرلمان موعدا لبحثها في البرلمان في شهر أكتوبر/تشرين الأول فعندها سيكون لنا موقف بشأنها".