
حل الشتاء فاشتعل الحطب في خيام النازحين بقطاع غزة بحثاً عن الدفء، فالنار فاكهة الشتاء كما يقول الغزيون، والحطب منبت الأصل والجذور بالنسبة لهم، وفيه عبق من ذكريات الماضي، وفي ظل انعدام الوقود ووسائل التدفئة الحديثة فطلب الدفء لا يكون إلا من نار الحطب.في الأجواء الباردة المرافقة للمنخفضات الجوية تلتف الأسر النازحة في قطاع غزة حول «كوانين النار» غير المشبعة بالحطب، وإنما بما تيسر، طلباً للدفء، إذ على وهج نار يعلو لهيبها ويخفت تمتد الأيادي الصغيرة أملاً في تبديد وطأة البرد، الذي أخذ يلسعها.
وما إن تهبط الشمس الغاربة في سماء غزة، حتى تبدأ رحلة المعاناة التي يشعلها كانون الحطب، مع انتصاف ديسمبر واقتراب مربعانية الشتاء، في تقليد يمارسه الغزيون في شتاء ثالث، حل عليهم بعد الحرب، التي اندلعت شرارتها الأولى في 7 أكتوبر 2023.وبينما تعلو أصوات «طرقعة الحطب» مانحة النازحين بعض الدفء تفتقد كوانين النار لأي من طقوس التسلية التي ترتبطت بهذه العادة، فلا وجود للبطاطا الحلوة أو الكستناء، أو حتى الخبز المحمص على النار، وبالكاد توفير إبريق من الشاي بالقليل من السكر، على جمرات تلمع في العتمة.
ربما تحاول التغلب على صوت الرعد وصفير الرياح، التي تتلاعب بالخيام الهشة.لكن الطائرات الإسرائيلية المسيّرة، لم تترك للغزيين مجالاً حتى لجمع الحطب، كما يقول النازح من بلدة بني سهيلا جهاد أبو خاطر، مبيناً أن الجيش الإسرائيلي لم يكتف بفرض حصار خانق على قطاع غزة، بل يتعمد استهداف الباحثين عن الحطب، الذين عبثاً يحاولون توفير بدائل الوقود لعائلاتهم.
يروي أبو خاطر، أنه نظراً لانعدام وسائل التدفئة وغاز الطهي، يضطر للبحث عن الحطب، بحسبانه أساس الحياة في الأجواء الشتوية الباردة والماطرة، منوهاً إلى الصعوبات والمتاعب التي تتهدد جامعي الحطب، خصوصاً في المناطق القريبة من ما يعرف بالخط الأصفر.
ويضيف لـ»البيان«:»كأنه لا يكفي ندرة الحطب، وغلاء أسعاره، فحتى المناطق التي جفت فيها الأشجار، واستحالت حطباً يمنعنا الجيش الإسرائيلي من الوصول إليها، وتلاحقنا المسيّرات كلما اقتربنا منها، وهناك من فقدوا حياتهم أثناء جمع الحطب، في المناطق التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.
الأمر ذاته أكده النازح من بلدة بيت لاهيا سعد أبو جراد، مبيناً أنه نجا من الموت في المنخفض الأخير، عندما تعرض ومجموعة من المواطنين، لإطلاق نار كثيف، في منطقة وادي غزة، أثناء جمعهم الحطب.وتابع:»لا يتوفر لدينا المال لشراء الحطب، ونبحث عنه في رحلة محفوفة بالمخاطر، وبالكاد نصل إليه، بعد أن أصبح الوسيلة الوحيدة للدفء والطهي بالنسبة للنازحين.. لا نريد أكثر من تسيير أمور حياتنا".
ومع توالي المنخفضات الجوية الصعبة، لا ينفك النازحون في المناطق المنخفضة كمواصي خان يونس ومنطقة القرارة، من إطلاق نداءات الاستغاثة، لتلافي الغرق أو الموت بالبرد، لا سيما وقد لفظ 15 غزياً أنفاسهم الأخيرة، منذ بداية شتاء هذا العام، بفعل موجات البرد.وثمة عائلات تقطن في مناطق منخفضة، وأشبه بالوديان، وبات غرقها أمر حتمي بفعل السيول وانجراف الرمال من حول الخيام التي تقيم بها، في ظل الأمطار الغزيرة المنهمرة على قطاع غزة، وتعذر وصول فرق الإنقاذ إليها.