اليمن.. توراة أثرية من القرن الخامس عشر تُعرض للبيع في نيويورك
أعلنت دار المزادات الشهيرة سوثبي (Sotheby's ) في نيويورك عن عرض واحدة من أندر لفائف "التوراة الأثرية" اليمنية المعروفة حتى اليوم، وهي مخطوطة مؤكدة بالكربون المشع تُعد الأقدم بين النسخ الكاملة التي خرجت من اليمن ووصلت إلى الأسواق الدولية.
وكشف الباحث المختص في شؤون الآثار اليمنية عبدالله محسن في منشور على صفحته في فيسبوك أن اللفيفة المعروضة، التي ستُطرح للبيع في 17 ديسمبر 2025، تحمل قيمة تاريخية وعلمية استثنائية، إذ تعود أقدم رقوقها إلى ما بين عامي 1425 و1450م إبان أواخر حكم الدولة الرسولية، ما يجعلها سابقة لجميع النسخ اليمنية الكاملة المعروفة، بما فيها تلك المحفوظة في مكتبات عالمية كالمكتبة البريطانية.
تتألف اللفيفة من 76 رقّاً جلدياً مكتوباً بالعبرية بخط يمني مربع مميز، وتضم 227 عموداً نسخها خطاطون يمنيون على مدى قرون. يشير وصف المزاد إلى أن المخطوطة تمثّل "سجلاً بصرياً لتطور الخط العبري اليمني"، إذ يمكن تمييز ثلاث طبقات من تطور الخط: المرحلة القديمة التي يظهر فيها حرف الشين والقاف بأشكال نادرة مبكرة، والمرحلة المتوسطة التي بدأت فيها الحروف بالتطور، والمرحلة الأحدث التي تضم الرقوق المضافة أثناء أعمال ترميم لاحقة.
ومن السمات الفريدة للغاية في هذه اللفيفة وجود نقطة حبر صغيرة تحت الكلمة الواقعة في منتصف كل آية، وهو تقليد حصري اشتهر به يهود اليمن ويهدف لتسهيل التلاوة.
وتؤكد دار سوثبي أن ثلاث لفائف فقط في العالم معروفة بهذا الأسلوب، إحداها هذه القطعة المعروضة في المزاد. كما يظهر في المخطوطة أسلوب هندسي مميز في ترتيب آيات نشيد البحر (خروج 15) ونشيد موسى (تثنية 32) بطريقة تشبه "الطوب المرصوص"، وهو أسلوب زخرفي اشتهر به النسّاخ اليمنيون عبر العصور.

ويعيد هذا الإعلان إلى الأذهان حدثاً مماثلاً في مزاد سوثبي عام 2024، حين عُرضت لفيفة توراة يمنية أخرى من القرن السادس عشر، مؤكدة أيضاً بالفحص الكربوني.
لم تكن تلك النسخة أقل أهمية، إذ وصفتها دار المزاد بأنها واحدة من أقدم النسخ اليمنية الكاملة المعروفة اليوم، وتميزت بدقة نصية صارمة تعكس التقاليد التي حافظ عليها يهود اليمن والتزامهم بأحكام ابن ميمون.
كما كشفت بيانات المزاد وجود رقوق مستبدلة وحديثة وأخرى أقدم، ما يظهر تاريخاً طويلاً من الاستخدام والترميم.
وأفاد الباحث عبدالله محسن أن عرض هذه اللفائف في المزادات الأميركية يتم رغم وجود اتفاق ثقافي بين اليمن والولايات المتحدة، لكنه اتفاق يعاني من ثغرات قانونية واسعة. فالقيود الأميركية تمنع دخول وبيع القطع الأثرية اليمنية التي تُصنف ملكاً للدولة فقط، إضافة إلى ضرورة تقديم أدلة واضحة على أن القطعة خرجت من اليمن بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ وبطريقة غير مشروعة.
غير أن لفائف التوراة تُصنف في القانون الأميركي باعتبارها ممتلكات دينية خاصة ليهود اليمن، وليست جزءاً من التراث الوطني للدولة اليمنية، ما يتيح بيعها دون أن يشملها الحظر.
ويشير محسن إلى أن اليمن لم يقدم حتى الآن اعتراضات رسمية حول هذه اللفائف، وهو ما يسمح للمزادات بالتعامل معها كملكية خاصة قابلة للبيع.
ويرى أن هذه الحالة تكشف عن أزمة حقيقية في منظومة حماية التراث اليمني، خاصة في ظل استمرار تهريب وبيع المخطوطات والتحف النادرة في الأسواق العالمية، دون تحرك رسمي يعترض على ذلك أو يطالب باستعادتها.