
على الجانب الآخر من الحدود من الربع الخالي تقع محافظة الجوف شمال اليمن، حيث يعد الغذاء والماء شحيحين في منطقة يبلغ عدد سكانها 590 ألف نسمة ويعتمدون جميعا تقريبا على المساعدات.
وتعد هذه المحافظة أيضا واحدة من أكبر مراكز عبور تجارة المخدرات المتنامية في اليمن، بحسب مسؤولين محليين وأمنيين.
اليمن الذي يعيش الآن عامه الحادي عشر من الحرب الأهلية، مقسم إلى محافظات تسيطر عليها فصائل مسلحة مختلفة، من الحوثيين في الشمال إلى الحكومة المعترف بها دوليا في الجنوب.
ولا تزال الكميات الدقيقة للمخدرات بما في ذلك حبوب الكبتاغون التي تنتقل عبر البلاد غير معروفة، ولكن مع موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي يربطها بالمحيط الهندي، بالإضافة إلى الانقسامات الأمنية العميقة، وتفشي الفوضى، والفقر المدقع، أصبح اليمن طريقا رئيسيًا للتهريب إلى أسواق مربحة في الخليج وخارجه
وقال مسؤولون محليون وشخصيات أمنية وخبراء لصحيفة "ذا ناشيونال" إن تجارة المخدرات في اليمن "انفجرت" وخاصة بالنسبة للكبتاغون وهو نوع من الأمفيتامين.
ويمكن قياس ذلك من خلال عمليات الضبط في اليمن والتي بلغ مجموعها 1.7 مليون حبة دواء في عام 2025، ارتفاعا من 358 ألف حبة دواء في العام السابق، وفقا للبيانات التي جمعها معهد "نيولاينز" الأمريكي، الذي يتتبع المخدرات في اليمن.
وقد أدى القتال بين الجماعات التي تسيطر على مناطق مختلفة من البلاد، فضلا عن الانقسامات داخل الحكومة، إلى زيادة حالة الفوضى التي استغلها المتاجرون.
وتتطلع بلدان الشرق الأوسط إلى إغلاق تجارة الأمفيتامين المسبب للإدمان بدرجة كبيرة، والذي تم إنتاجه على نطاق واسع أثناء الحرب الأهلية في سوريا وتم تهريبه في كثير من الأحيان عبر الحدود اللبنانية.
وقدر خبراء بريطانيون وأمريكيون قيمة تجارة الكبتاغون غير المشروعة عالميا بنحو 57 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2023.
وهذا الأسبوع، أعلن لبنان ضبط 6.5 مليون حبة كبتاغون، و700 كيلوغرام من القنب الهندي، كانت معدّة للتهريب إلى السعودية.
ما وراء خطوط المواجهة
أدى سقوط نظام الأسد في سوريا إلى تفاقم التجارة المزدهرة بالفعل في اليمن.
وتصل المخدرات على متن قوارب، كبيرة وصغيرة، وأحيانا من مناطق نائية في عُمان عبر الحدود إلى محافظة المهرة اليمنية، وفقا لمسؤولين أمنيين يعملون على معالجة هذه التجارة.
ويتم نقلها داخل البلاد عبر طرق معروفة ومحمية، وتستخدم أيضا لنقل الأسلحة والمخدرات غير المشروعة الأخرى، وتشق طريقها عبر حدود مشتركة يسهل اختراقها بطول 1300 كيلومتر على الحمير والطائرات بدون طيار إلى المملكة العربية السعودية، حيث القدرة الشرائية للمستخدمين أعلى، وفقا لتاجر ومصدر أمني في محافظة الجوف.
وتقع محافظة الجوف شمال اليمن تحت سيطرة الحوثيين والحكومة جزئيا، وتشترك مع المملكة العربية السعودية في حدود تمتد لنحو 300 كيلومتر.
وقال المصدر الأمني: "جميع خطوط النقل تمر عبر هذه المنطقة".
وصرح مسؤول كبير في الجوف لصحيفة "ذا ناشيونال"، بأن كل هذا يحدث الآن "على مرأى من الجميع".
وأضاف: "تمر سيارات محملة بكميات هائلة من المخدرات في الأحياء، وبات من المعروف أن المتورطين في هذه الجرائم محميون، ليس فقط من قِبل مسلحين، بل من قبل عصابات قوية وشبكاتها".
وزعم المصدر الأمني أنه استجوب المهربين على طول الساحل بشكل متكرر، وقال إنهم يعملون لصالح من يدفع أعلى سعر، مشيرا إلى أنه ليس لديهم أي انتماء أو أجندة وكل ما يهمهم هو المال.
وأفادت كارولين روز، الخبيرة في الشؤون العسكرية والأمن الوطني في مركز نيولاينز، بأنه تم العثور على علامات الإتجار في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة، مما لا يظهر أي دليل على وجود قوة احتكارية.
وتشير الحكومة بشكل روتيني بأصابع الاتهام إلى الحوثيين، وتتهمهم بجلب خبراء من حزب الله لإدارة المختبرات، كما أن الفساد مستشر في جميع المجالات.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلنت الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات عن تنفيذ عملية كبيرة في اليمن أسفرت عن ضبط 447 كيلوغراما من المخدرات والعقاقير المعززة للأداء، وهو ما يمثل "لحظة تاريخية" في الحرب العالمية ضد المنشطات.
وبحسب الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات، أظهرت العملية أن السلطات تتعقب الآن عمليات تهريب عبر الحدود للأمفيتامينات وغيرها من المواد المحظورة، والتي تعتقد الوكالة والمسؤولون اليمنيون أنها انتقلت إلى اليمن حيث يستغل المنتجون السوريون والإيرانيون الحرب في البلاد والانهيار الاقتصادي.
وقال مسؤولون يمنيون ومن الإنتربول إن الغارة أدت إلى تفكيك ما كان سيصبح أول منشأة حديثة لإنتاج المخدرات في اليمن، والتي يزعم أنها تضم خبراء سوريين وإيرانيين وترتبط بالحوثيين كمصدر للإيرادات وهي ادعاءات تنفيها إيران.
ووفق المصدر ذاته، فالقبائل في اليمن هي السلطة الفعلية وتتعاون بشكل وثيق مع المهربين لضمان استمرار عملهم دون انقطاع، وتعمل كوسيط بين المجرمين ومن يفترض أن يقبضوا عليهم.
وأحيانا، يكون الأشخاص المكلفون بوقف الجريمة هم أنفسهم من يمكّنون منها، فتتواطأ الفصائل المتحاربة ظاهريا مع بعضها البعض.
وصرح مسؤول كبير آخر في الجوف لصحيفة "ذا ناشيونال" بأن "المصالح تتجاوز خطوط المواجهة".
وأشار تاجر المخدرات في الجوف إلى أسماء أعضاء حوثيين قال إنهم متورطون في التجارة، لكنه أضاف أن كبار المسؤولين في الحكومة اليمنية نفسها معروفون أيضا بالمساعدة إن لم يكونوا هم أنفسهم المتاجرين.
وعندما سئل عن كيفية تمكن الجميع من الإفلات من العقاب، قال بكل بساطة: "إنهم جميعا أصدقاء".
المصدر:"The National News"