
أكدت الإمارات ثبات موقفها الداعم لوحدة السودان وسيادته الوطنية، وحرصها على صون مؤسساته، حيث تحركت إنسانياً وسياسياً، من أجل وقف إطلاق النار في السودان.
وبرز الدور الإماراتي كأحد أكثر المواقف ثباتاً واتزاناً في مقاربة الأزمة، بالدعوة إلى حكم سيادي للسودانيين، بعيداً عن حكم العسكر، والعمل على إنقاذ الدولة، ومنع سقوط المجتمع في فراغ يبتلع كل ما تبقى من البنية الوطنية.
حيث أكدت في أكثر من منبر، أن المسار المدني يجب أن يركز على تشكيل حكومة توافقية، تضم جميع الأطراف السودانية، مع دعم دولي لشرعيتها، وتنفيذ إصلاحات شاملة، ضمن آلية عملية لتنفيذ هذه الإصلاحات، لبناء دولة بقيادة مدنية.
تعاملت الإمارات مع المشهد السوداني بوصفه قضية ترتبط بمصير أمة بكاملها، وتركزت جهودها ضمن الرباعية الدولية «الإمارات ومصر والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية»، لمنع السودان من الانزلاق إلى فوضى، قد تمتد لسنوات، وتُفقده ما تبقى من استقراره ووحدته.
يؤكد خبراء متخصصون في الشأن الأفريقي، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تتعامل مع الأزمة السودانية بمنهجية تقوم على ترسيخ سيادة القرار السوداني، ودعم تطلعات مواطنيه نحو دولة مستقرة، تُدار بمؤسسات مدنية راسخة.
ويشير هؤلاء إلى أن الإمارات استوعبت منذ المراحل الأولى للصراع، أن السودان يقف على مفترق طرق تاريخي، وأن أي تدخل غير محسوب، من شأنه أن يعمّق الانقسام الداخلي، ويطيل أمد العنف.
لذلك، حرصت على العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين، على دعم حكومة مدنية، بعيداً عن حكم العسكر، الذي ساهم في إطالة عمر الأزمة، وجعل السوداني يدفع ضريبة الخلاف بين العسكر.
ويذهب محللون سياسيون إلى أن الإمارات اتخذت موقفاً واضحاً في عدم الانحياز لأي فصيل مسلح، مؤكدة على لسان أكثر من مسؤول، وفي أكثر من بيان رسمي، أنها تدعم الشعب السوداني.
وأنها لا تنحاز إلى أي طرف في النزاع العسكري، وأن الفظائع المرتكبة على الأرض في السودان، تؤكد فقط على أنه لا يوجد حل عسكري للحرب الأهلية.
وحثت القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، على الوقف الفوري لجميع الهجمات ضد المدنيين، التي تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.
ويؤكد الخبراء أن الإمارات تبنّت خطاباً متماسكاً، يدعو دائماً إلى تغليب لغة التفاوض على لغة السلاح، إدراكاً منها أن الحلول العسكرية أثبتت فشلها في تاريخ السودان الحديث، وأن أي رهان على طرف بعينه، لن يشكل إلا انتصاراً قصير المدى، ينهار عند أول اختبار سياسي.
ويشرح خبراء في العلاقات الدولية، أن الإمارات لعبت دوراً محورياً في تنشيط المسار الدبلوماسي المرتبط بالأزمة، عبر التواصل المباشر مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، في محاولة لتوحيد المقاربات المتباينة بشأن مستقبل السودان.
ويشيرون إلى أن الدولة حرصت على الدفع نحو مقاربة جماعية، تعتمد على آليات تضمن وقفاً شاملاً ومستداماً لإطلاق النار، يعقبه مسار سياسي تشاركي، يتيح للمدنيين الحقيقيين أن يستعيدوا زمام المبادرة.
ويرى المحللون أن هذا الدور ساهم في إبقاء السودان حاضراً على جدول الاهتمام العالمي، رغم تعقّد الملفات الإقليمية الأخرى التي تزاحمه على الأولوية.
في هذا السياق، يرى رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، أن الأزمة السودانية اليوم تدخل دائرة الضوء بشدة، عقب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن التدخل لحل أزمة السودان.
مشيراً إلى أن تصريحات ترامب تمثل نقطة تحول مهمة في مسار الرباعية الدولية الخاصة بالأزمة السودانية، إذ أعادت هذه التصريحات – بحسب تقديره – الزخم للعمل الدبلوماسي، ودفعت باتجاه وضع حلول قابلة للتنفيذ على الأرض، بدلاً من الاكتفاء بالتشخيص السياسي، أو تبادل الاتهامات بين الأطراف.
ويؤكد رخا أحمد أن الموقف الإماراتي ضمن هذا الإطار، كان واضحاً ومتماسكاً، إذ تعاملت ضمن الرباعية - مع الأزمة من زاوية إنسانية واستراتيجية في آنٍ واحد، تقوم على ضرورة وقف الاقتتال، وإعادة تمكين الشعب السوداني من إدارة قراره، بعيداً عن ضغوط السلاح، ومحاولات فرض الأمر الواقع.
ويشير إلى أن الإمارات، ضمن الرباعية الدولية، تبنّت نهجاً يضع حماية المدنيين في مقدم الأولويات، مع دعم أي مسار يعيد بناء المؤسسات الوطنية، ويمنع انزلاق السودان إلى مزيد من التفتيت.
ويضيف أن التصريحات الأمريكية الأخيرة، منحت الرباعية مساحة أوسع للتحرك، لأنها عكست – وللمرة الأولى منذ فترة – توافقاً دولياً على أن استمرار الحرب بين الطرفين المتنازعين، لن ينتج عنه «غالب» و«مغلوب»، بل مزيد من الانهيار.
ويؤكد أن هذا التوافق لا يعني بالضرورة نجاحاً وشيكاً، لكنه يضمن، على الأقل، تحريك الجمود الذي ظل مسيطراً لأشهر طويلة.
ويحذر رخا من أن «المراهنة على السلاح»، ليست سوى طريق مسدود، موضحاً أن لكل فريق من الطرفين المتنازعين داعمين من الداخل والخارج، وهو ما يجعل فكرة الحسم العسكري شبه مستحيلة، بل ويطيل أمد النزاع إلى أجل غير معلوم.
ويضيف أن أي تفوق ميداني مؤقت، سرعان ما يتبدد، مع تغير موازين الدعم الخارجي، أو تبدل البيئة الأمنية داخل السودان، ما يعني أن الرهان الحقيقي يجب أن يكون على الحلول السياسية، لا على المعارك.
ويشدد على أن الحل السلمي «سيفرض نفسه في النهاية»، مهما طال الصراع، لأن كلفة الحرب أصبحت تفوق قدرة الأطراف والمجتمع السوداني على الاحتمال، ولأن استمرار النزاع يهدد الأمن الإقليمي بكامله، وليس فقط الداخل السوداني.
ويرى أن دور الرباعية سيكون محورياً في تحويل هذا الإدراك الدولي إلى خطوات عملية، تبدأ بوقف إطلاق النار، ثم إطلاق مسار تفاوضي جامع، لا يستثني المكونات المدنية، ولا يسمح للمسلحين بالتدخل.
ويخلص رخا أحمد إلى أن نافذة الحل لا تزال مفتوحة، لكن نجاحها مشروط بقدرة الأطراف الإقليمية والدولية على الالتزام بمسار واحد: وقف الحرب، حماية المدنيين، وإعادة السودان إلى طاولة السياسة، بدل ساحات القتال.
وفي البعد الإنساني، يوضح باحثون في قضايا النزاع، أن الإمارات تبنّت استراتيجية إغاثية واسعة، تهدف إلى الحد من التداعيات الكارثية للصراع على المدنيين، الذين وجدوا أنفسهم في قلب اشتباكات مستمرة، دون حماية.
ويؤكد هؤلاء أن دولة الإمارات ركزت على توفير مساعدات عاجلة، وإنشاء ممرات آمنة، حيثما أمكن، إضافة إلى دعم المستشفيات والمراكز الطبية الميدانية، التي تحاول التعامل مع آلاف المصابين والنازحين.
ويعتبر الباحثون أن المقاربة الإنسانية الإماراتية، لم تكن مجرد استجابة ظرفية، بل جاءت امتداداً لنهج ثابت في دعم الشعوب المنكوبة، يقوم على إعطاء الأولوية المطلقة لإنقاذ الأرواح، وصون الكرامة الإنسانية.
ويؤكد الباحثون أن الإمارات طرحت، في العديد من المناسبات رؤى تدعو إلى إعادة تأسيس العقد الوطني السوداني، على نحو يضمن مشاركة جميع القوى المدنية، بعيداً عن محاولات عسكرة الدولة، أو إعادة تدوير الصراع تحت مسميات جديدة.
ويرى هؤلاء أن السودان يمتلك إمكانات بشرية واقتصادية كبيرة، وأن استعادة الدولة يتطلب معالجة جذرية للهشاشة المؤسسية التي تراكمت على مدى عقود، وهو ما يستدعي دعماً دولياً منسقاً، وتوافقاً وطنياً، يضع مصلحة البلاد فوق المصالح الفصائلية الضيقة.
ويخلص الباحثون إلى أن الموقف الإماراتي اتسم خلال الأزمة بالاتزان والاتساق، إذ حافظ على خطاب يدعو إلى تغليب السلام، والعودة إلى المسار السياسي، ورفض الانجرار إلى محاور أو رهانات لا تخدم استقرار السودان.
ويعتبر هؤلاء أن الإمارات رأت في الشعب السوداني صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبله، وأن دور المجتمع الدولي – بما فيه الإمارات – يجب أن يتركز على حماية المدنيين، ودعم فرص الحوار، والمساهمة في بناء مسار يفضي إلى دولة تنعم بالسلام والتنمية المستدامة.
في سياق متصل، يرى المحلل السياسي الكويتي عبدالعزيز سلطان، أن المشهد السوداني يمرّ بمرحلة من أكثر مراحله حساسية منذ الاستقلال، وهو ما استدعى تحركاً عربياً جماعياً، يتجاوز ردود الفعل التقليدية، إلى مقاربات أكثر نضجاً وعمقاً، هدفها المركزي حماية الشعب السوداني، ومنع انزلاق البلاد نحو فوضى شاملة.
ويؤكد سلطان أن الدول العربية أدركت مبكراً أن الحرب الدائرة ليست مجرد خلاف داخلي، بل صراع طويل الأمد، يحمل في طياته تهديداً لأمن المنطقة واستقرارها، الأمر الذي فرض مسؤولية مشتركة على العواصم العربية للتحرك، وفق رؤية موحدة قدر الإمكان.
ويشير سلطان إلى أن دولة الإمارات تصدّرت هذا التحرك العربي، عبر نهج عقلاني، يتمحور حول تثبيت حق السودانيين الحصري في صياغة مستقبلهم، دون أي إملاءات أو رهانات على أطراف مسلحة.
ويشدد على أن دولة الإمارات التزمت منذ اللحظة الأولى، بمبدأ عدم الانحياز لأي فصيل منخرط في الصراع، معتبرة أن الانحياز يُفقد أي مبادرة سياسية مصداقيتها،
ويضيف أن هذا الموقف المتزن، جذب تقديراً عربياً ودولياً، لكونه يضع حماية المدنيين أولوية مطلقة، ويمنح المسار السياسي فرصة حقيقية للعودة.
ويرى سلطان أن الدبلوماسية الإماراتية لعبت دوراً فعالاً في تجميع المواقف العربية، سواء عبر التنسيق مع مصر والسعودية والدول المؤثرة، أو من خلال مشاركتها الفاعلة في الآليات الإقليمية والدولية الهادفة إلى وقف إطلاق النار.
ويشير إلى أن الإمارات تبنّت خطاباً واضحاً، يرفض عسكرة الحلول، ويشدّد على ضرورة خلق بيئة سياسية تسمح بعودة مؤسسات الدولة للعمل، مع دعم الجهود الدولية الرامية إلى منع تدهور الوضع الإنساني.
ويؤكد أن هذا التحرك لم يقتصر على الجانب السياسي، بل ترافق مع استجابة إنسانية واسعة، شملت إغاثة المتضررين، ودعم المنشآت الطبية، وتوفير ممرات آمنة للمدنيين، كلما أمكن ذلك.
ويضيف سلطان أن الجهود العربية، وفي طليعتها الإمارات، تتعامل مع الأزمة السودانية باعتبارها اختباراً لجدية العالم العربي في حماية الشعوب، وباعتبارها محطة تحتاج إلى مقاربة عقلانية لصالح بناء سلام حقيقي مستدام.
ويخلص إلى أن موقف الإمارات المبني على الحكمة والاتزان، يعزز الأمل بأن السودان قادر على تجاوز محنته، إذا توافرت الإرادة الوطنية، وتكاتفت الجهود العربية لدعم المسار السياسي، بعيداً عن الأصوات التي تراهن على السلاح بدلاً من الحوار.
حرص إماراتي على الدفع نحو مقاربة جماعية تعتمد على آليات تضمن وقفاً شاملاً ومستداماً لإطلاق النار
الدولة تبنّت نهجاً يضع حماية المدنيين في مقدم الأولويات
خطاب واضح يرفض العسكرة ويشدّد على خلق بيئة سياسية تسمح بحكم مدني