2025/10/16
هل ينجح ترامب في إطفاء حريق أوكرانيا؟

 

 

بعد نجاحه في تحقيق اختراق دبلوماسي أنهى حرب غزة المستمرة منذ عامين، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى استثمار هذا الزخم في محاولة لوقف الحرب الروسية – الأوكرانية التي تجاوزت عامها الثالث، فالرجل الذي أعاد لنفسه صورة الوسيط الحازم، يمتلك اليوم رصيداً سياسياً ومعنوياً يجعله قادراً على فتح قنوات تفاوضية مع موسكو وكييف على حد سواء، مستفيداً من شبكة علاقاته السابقة مع الكرملين والرئيس فلاديمير بوتين على وجه الخصوص، ومن رغبته في إظهار أن واشنطن قادرة على فرض السلام في أكثر الملفات تعقيداً.

 

لكن الطريق إلى اختراق ملف الحرب الروسية – الأوكرانية لا يزال محفوفاً بعقبات ثقيلة؛ فروسيا لا تزال تتعامل مع الحرب باعتبارها استثماراً استراتيجياً يضمن أمنها ونفوذها، وترفض أي تسوية لا تراعي حدودها الجديدة أو ترفع عنها العقوبات.

 

في المقابل، لا تملك كييف ترف التنازل عن أراضيها، فيما تبدو أوروبا منقسمة بين من يريد إنهاء الحرب بأي ثمن، ومن يخشى أن يمنح أي اتفاق امتيازات لموسكو على حساب أمن القارة.. أما استمرار التصعيد الميداني والهجمات على البنية التحتية الأوكرانية فيجعل فرص التهدئة الفورية محدودة للغاية.

 

ورغم ذلك، يعتقد مراقبون أن نجاح ترامب في غزة يمكن أن يشكل نموذجاً لصفقة تجميد مؤقت في أوكرانيا، تقوم على وقف إطلاق النار وتبادل ضمانات أمنية واقتصادية محددة، دون حسم نهائي للصراع.. فاحتمال تحقيق اختراق شامل ما زال بعيداً، لكن إعادة إطلاق مسار تفاوضي برعاية أمريكية قد تشكل بداية طريق طويل نحو تسوية، إذا استطاع ترامب أن يقنع موسكو وكييف والعواصم الأوروبية بأن سلاماً ناقصاً أفضل من حرب بلا نهاية.

 

وفي هذا السياق، قال خبير الشؤون الروسية والدولية تيمور دويدار لـ«البيان»: «ترامب يبذل قصارى جهده لإخماد الصراع العسكري في أوروبا، ولديه الكثير مما يمكن أن يستخدمه لوقف القتال والتحول إلى مرحلة ترميم العلاقات بين الغرب وروسيا وإقامة سلام عادل بين الجانبين».

 

وأضاف دويدار: «حتى الآن، أرى أن تحركات الإدارة الأمريكية تسير في اتجاه وقف الحرب، كما أرى أن الرئيس ترامب متعاون إلى حد كبير مع الإدارة الروسية بقيادة الرئيس بوتين، ويمضي في مسار يهدف إلى إخماد اللهيب، إن صح التعبير». وأوضح أن ترامب قلص أو امتنع عن توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، وأوقف المساعدات المختلفة لكييف، متحولاً إلى ما يمكن تسميته بـ «صانع السلام».

 

ويرى دويدار أن المعضلة الحقيقية تكمن في الموقف الأوروبي الذي انخرط في الأزمة بقيادة واشنطن، قائلاً: «حتى الآن يسلك ترامب مساراً إيجابياً، لكنه يحتاج إلى ممارسة ضغط حقيقي على الأوروبيين لينسحبوا من هذه المشكلة التي كانت أمريكا نفسها السبب الرئيس في تفاقمها، ومن ثم انجرت خلفها الكتلة الأوروبية والغرب عموماً».

 

وختم خبير الشؤون الروسية والدولية بالقول: «أتمنى أن يفعل ترامب كل ما في وسعه للضغط على الأوروبيين لكي ينسحبوا أيضاً من هذه المشكلة المتفاقمة.. فالمعضلة كلها تكمن في الأوروبيين، فلننتظر».

 

فرص محدودة

 

وفي رؤية مقابلة، ترى الباحثة السياسية الدكتورة أماني القرم، أن فرص الرئيس ترامب في تحقيق اختراق على صعيد الحرب الروسية – الأوكرانية تظل محدودة رغم رغبته القوية في إنهائها، لأن الأزمة تجاوزت البعد الثنائي بين موسكو وكييف لتتحول إلى صراع مفتوح بين روسيا والغرب ضمن لعبة موازين القوى الدولية.

 

وتوضح القرم لـ«البيان»، أن سياسة ترامب تقوم على البعد الشخصي في حل الأزمات، معتمداً على علاقاته مع الزعماء وقوة شخصيته، إذ أعلن مراراً أنه قادر على إنهاء الحرب خلال 24 ساعة، مستنداً إلى علاقته الجيدة مع بوتين مقابل فتور في تعامله مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي.. غير أن تعقيدات المشهد الميداني والسياسي، بحسب القرم، تتجاوز قدرات الزعامات الفردية، لأن موسكو ترى في أوكرانيا جزءاً من إرثها التاريخي، بينما تعتبرها كييف معركة وجودية من أجل استقلالها والانضمام إلى الغرب.

 

وتضيف الباحثة أن ترامب يعتمد في سياسته على مبدأ «السلام من خلال القوة»، وهو المبدأ الذي ساعده في تحقيق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، لكنه يواجه معضلة مختلفة مع روسيا، القوة النووية الكبرى التي لن تقبل بأي تسوية تُفسَّر كتنازل أو هزيمة.

 

تغيير موازين

 

وتشير القرم إلى أن تهديد ترامب الأخير بتزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» بعيدة المدى، القادرة على الوصول إلى عمق الأراضي الروسية، قد يحدث تغييراً في موازين القوى الميدانية ويدفع موسكو إلى طاولة المفاوضات، لكنه في المقابل قد يفتح الباب أمام تصعيد خطير ورد عسكري روسي مباشر.

 

وترى القرم أن ورقة الضغط العسكري قد تمنح ترامب نافذة محدودة للتأثير وإشعار موسكو بأن الحرب قد تنقلب ضدها، لكنها تحذر في الوقت نفسه من أن الإفراط في هذا النهج قد يؤدي إلى اتساع رقعة الصراع بدل إنهائه.

 

وتخلص الباحثة السياسية الدكتورة أماني القرم، إلى القول إن أي تسوية واقعية تحتاج إلى مقاربة متعددة الأطراف توازن بين المصالح الروسية والهواجس الأمنية الغربية، لا مجرد رهانات على الكاريزما السياسية لترامب أو قوته الشخصية في عقد الصفقات.

تم طباعة هذه الخبر من موقع الشبكة العربية للأنباء https://arabnn.news - رابط الخبر: https://arabnn.news/news77299.html