فرضت تطورات الأحداث السياسية عقب "هجوم الدوحة" واقعاً جديداً بات يتشكل بمنطقة الخليج العربي للاصطفاف ضد إسرائيل، فضلاً عن تعزيز آليات الردع الخليجية لمجابهة الآلة العسكرية الإسرائيلية. وعقب استهداف إسرائيل لقطر الدولة التي تعمل وسيطاً رئيسياً لتأمين وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على غزة، انبرت المواقف الخليجية العربية الإسلامية المنددة لما وُصف بـ"الهجوم الغاشم" ضد أراض قطرية، في أول استهداف إسرائيلي لدولة خليجية الذي اعتُبر اعتداء على دول الخليج بأكمله.
استجابة عربية إسلامية
تلك المعطيات، عززت سرعة الاستجابة لعقد قمتين: خليجية وأخرى عربية – إسلامية في العاصمة الدوحة لتكثيف الدعم المطلق لدولة قطر وأمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة مواطنيها.
رسائل تحذيرية
ومخرجات "قمة الدوحة" رسالة تحذيرية إلى إسرائيل، إذ تدفع تلك الرسائل بخيارات معاقبتها نتيجة استمرارها ارتكاب اعتداءات إجرامية، والخروج الصارخ على مبادئ القانون الدولي، والأعراف الدولية كافة، وفقاً لما ذكره مسؤول عربي للعربية.نت.
حالة توتر
إلى ذلك، تحدث الأمين العام المساعد للشؤون السياسية في جامعة الدول العربية، الدكتور خالد منزلاوي، بأن الهجوم الإسرائيلي على قطر يخلق حالة توتر جديدة في منطقة الخليج العربي.
وعلل ذلك بالتأكيد أن الهجوم يحمل مخاوف توسع دائرة الصراع في المنطقة، وبالتالي انعكاسها سلباً على أمن الملاحة البحرية، وسلامة الأجواء، فضلاً عن أسعار الطاقة.
توحيد المواقف
وتستوجب ظروف المرحلة الراهنة وفقاً لحديثه توحيد الموقف العربي والإسلامي من أجل ضمان حماية سيادة الدول، وردع أي اعتداءات مستقبلية.
يفتح الهجوم الإسرائيلي الأخير على قادة حماس في أراض قطرية باب التأويلات بمراجعة قطر لشراكتها الأمنية مع أميركا التي تمتلك قاعدة أمنية في الدوحة (قاعدة العديد)، هو الأمر الذي قوبل بنفي قطري وتأكيد توثيق العلاقات مع واشنطن.
روبيو في الدوحة
ولم تمض أكثر من 24 ساعة على انتهاء القمتين في الدوحة حتى حطت رحال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في قطر قادماً من تل أبيب، ليبحث مع أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الهجوم الإسرائيلي.
تحرك دولي
ويحث الدكتور خالد منزلاوي الدول العربية والإسلامية على التحرك الدبلوماسي والقانوني في الأمم المتحدة، بجانب المحاكم الدولية، عقب واقعة الهجوم الذي طال قادة حركة حماس في الدوحة وذهب ضحيته 6 قتلى أحدهم جندي قطري.
اعتداء قطر وأمن المنطقة
ويشدد على أن الاعتداء على قطر يطال أمن المنطقة بأكملها، منوهاً بأهمية نهوض المجتمع الدولي بمسؤولياته لوقف التصرفات الإسرائيلية المهددة للأمن والاستقرار.
تفعيل آليات الدفاع
وعقب القمة التي شهدتها قطر، وجّه قادة الخليج مجلس الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي بعقد اجتماع عاجل في الدوحة بعد الهجوم الإسرائيلي على قادة حماس في العاصمة القطرية، فضلاً عن اتخاذ إجراءات لتفعيل "آليات الدفاع المشترك" لمجلس التعاون.
من جهة أخرى، يرى الدكتور إبراهيم العثيمين، باحث في العلاقات الدولية أن تفعيل دول الخليج لآليات الدفاع المشترك، وعقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع في قطر يمثل انتقالاً نوعياً من التنسيق إلى العمل المؤسسي الفعال، يعد امتداداً لرؤية الملك سلمان للعمل الخليجي المشترك، التي اعتمدها المجلس عام 2015 لترسيخ الفاعلية والكفاءة باعتبار التكامل الدفاعي خياراً استراتيجياً.
وأشار إلى أن تصميم دول المجلس على بناء منظومة ردع جماعية يؤكد أن أمن الخليج كل لا يتجزأ، لافتاً إلى أن العمل العسكري الخليجي في الوقت الراهن يدخل مرحلة أكثر نضجاً وفاعلية، وفقاً لما ذكر.
إدراك التحديات
أما البروفيسور صالح الخثلان فإنه يصف الدعوة لانعقاد مجلس الدفاع المشترك لدول المجلس بخطوة بالغة الأهمية، إذ تعكس إدراكاً جماعياً لطبيعة التحديات الراهنة، وتؤكد الحاجة إلى مقاربة أمنية أكثر شمولية واستباقية في التعامل مع التهديد الإسرائيلي.
ويقلل كذلك حجم التوقّعات الخليجية تجاه التزام إدارة الرئيس الأميركي ترامب بالثوابت الواضحة في علاقاتها مع شركائها التقليديين.
تقييم مصادر التهديد
ويؤكد الخثلان أستاذ العلوم السياسية ومستشار أول لدى مركز الخليج للأبحاث، أهمية إعادة تقييم دول الخليج لمصادر التهديد في المنطقة، في خضم التحولات المتسارعة، على رأسها صعود إسرائيل كمصدر تهديد مركزي للأمن والاستقرار الإقليمي.
وتعيد تصورات الخثلان النظر بشأن الرؤية الاستراتيجية للأمن في منطقة الخليج العربي، لوضع تهديدات إسرائيل في مرتبة متقدمة ضمن أولويات المواجهة.
حوار منهجي
في السياق ذاته، دعا إلى أهمية تأسيس أرضية حوار جادة ومنهجية مع الإدارة الأميركية تتناول طبيعة مستقبل العلاقات الأمنية والعسكرية، للوقوف على مدى التزام واشنطن بتعهداتها، واستكشاف الخيارات الأخرى.
ويعتقد الدكتور صالح الخثلان أن مضامين البيان الختامي للقمة الخليجية والقمة العربية والإسلامية أكدت وحدة الموقف العربي والإسلامي إلى جانب دولة قطر.
يتجسد التحدي الحقيقي في الوقت الراهن أمام الدول ذات العلاقة مع إسرائيل التي شاركت ضمن القمة، وفقاً للدكتور الخثلان الذي تساءل بشأن مدى استعداد هذه الدول لترجمة ما ورد في البيان إلى خطوات عملية.
عقب القمة العربية-الإسلامية الطارئة التي دعت الدول إلى مراجعة العلاقات مع إسرائيل، يقرأ وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة حالة الحراك الخليجي باتجاه حماية قطر، ويقول: "ما جرى مع الدوحة أمر جديد، والقصة ليست في الدوحة فقط بل أمن الخليج بأكمله".
أفق واسع
إلى ذلك، يقدّر وزير الإعلام السابق أن دول الخليج باتت تتعامل مع "هجوم الدوحة " بأفق واسع وشمولية أكبر وجدية عالية.
ويضيف: "ربما لا يظهر للعلن حجم التنسيق الأميركي -الخليجي غير أن جدول أعمال كافة تلك الدول تحمل ركائز أمن المنطقة".
إطار خليجي - أميركي للتعاون
يعتقد المعايطة أن هجوم الدوحة سيجعل دول الخليج تعيد بناء علاقاتها مع واشنطن بإطار مختلف للحصول على ضمانات جديدة تجاه أي اعتداء إسرائيلي.
ولفت في الوقت ذاته بأن أميركا ترتبط بعلاقات قوية مع البلدان الست، مستبعداً وضع أميركا مصالحها في مهب الريح نتيجة "الجنون العسكري والسياسي لنتنياهو"، كما قال.
وكانت أعمال القمة العربية الإسلامية عُقدت، الاثنين، في العاصمة القطرية الدوحة بمشاركة عدد من زعماء وقادة الدول العربية والإسلامية لبحث سبل الرد على الهجوم الإسرائيلي على الأراضي القطرية.
وافتتح الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، الجلسة الافتتاحية، حيث أكد أن "الدوحة تعرضت لاعتداء غادر، وأن العدوان الإسرائيلي كان صادماً للعالم بأكمله، إذ تسبب في سقوط قتلى بينهم قطري"، واصفاً العدوان بأنه "عمل إرهابي جبان". وأوضح أن قطر تعمل منذ عامين كوسيط لإنهاء حرب الإبادة بغزة وإعادة الرهائن.
وأشار أمير قطر إلى أن "المفاوضات بالنسبة لإسرائيل تكتيك من تكتيكات الحرب.. حكومة إسرائيل لا تريد الرهائن"، مؤكداً أن "حكومة إسرائيل تستغل الحرب لتوسيع الاستيطان وتغيير الوضع القائم".
وقال إن "حكومة إسرائيل تعتقد أنها ستفرض الأمر الواقع على العرب.. نتنياهو يحلم أن تصبح المنطقة العربية منطقة نفوذ إسرائيلية".