بعد أن ظلت مسألة العودة إلى الحرب في قطاع غزة محور خلاف وانقسام بين شركاء الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل لأسابيع، عاد الحديث، وسط مطالبات دولية ورغبة أمريكية، عن ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية بعد أكثر من 50 يوما من حصار القطاع بشكل تام، ليثير أزمة عميقة، وصلت إلى حد تهديد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بإسقاط الحكومة.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن سموتريتش هدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال جلسة عاصفة لمجلس الوزراء المصغر (الكابينت) بأنها ستكون نهاية الحكومة حال وصلت المساعدات إلى حركة حماس.
وقال سموتريتش لنتنياهو إنه إذا دخلت ذرة مساعدات لحماس، فإنه يتعين عليه الاستعداد لانتخابات مبكرة بعد ثلاثة أشهر.
ويرغب وزير المالية الإسرائيلي في تصعيد الحرب على حماس بدلا من ذلك، وأن يكون دخول المساعدات وتوزيعها في القطاع، وإن كان لابد منه، عن طريق الجيش وأن تتم عملية التوزيع وفق نظام محدد.
وبلهجة حادة، وجه سموتريتش حديثه لنتنياهو، قائلا إن إدخال المساعدات اللوجستية لحماس "خطوة لن أكون جزءا منها... استمرار عمليات إعادة تموضع القوات وإرسال المساعدات الإنسانية إلى حماس في ظل وجود رهائنا ليس خيارا".
وتابع: "رئيس الوزراء هو المسؤول في نهاية المطاف، وعليه إطلاق حملة لهزيمة حماس واحتلال غزة وفرض حكومة عسكرية مؤقتة حتى يتم إيجاد حل آخر، وإعادة الرهائن وتنفيذ خطة (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب، وإلا فلن يكون لهذه الحكومة الحق في الوجود".
ولم يقف هجوم سموتريتش عند حد نتنياهو، بل طال رئيس الأركان إيال زامير الذي يعترض على فكرة تولي الجيش الإسرائيلي توزيع المساعدات داخل القطاع.
وقال وزير المالية الإسرائيلي، أحد الأركان الرئيسية في حكومة نتنياهو: "ليس لدي أي شكوى بشأن رئيس الأركان، انتقادي موجه إلى رئيس الوزراء، الذي لا يفرض تطبيق سياسة المستوى السياسي على الجيش".
وقال زامير بوضوح: "جنود الجيش الإسرائيلي لن يكونوا مسؤولين عن توزيعها"، ليرد سموتريتش غاضبا: "مع كل الاحترام، الجيش لا يختار مهماته، لقد حددنا لك أنك بحاجة إلى الاستعداد لذلك، سنحدد ما القرار وأنت ستعرف كيف ستنفذه، إذا لم تتمكن من ذلك، فسوف نحضر شخصا قادرا على ذلك".
ووسط هذا الجدل المتصاعد، وصفت صحيفة جيروزاليم بوست نتنياهو بأنه عالق بين محكمة العدل الدولية وسموتريتش، وتساءلت ما إذا كان نتنياهو سيسمح بإدخال المساعدات في نهاية المطاف أم لا.
وشبهت الصحيفة في تحليل لها نتنياهو كأنه يحاول السير على حبل مشدود، بين تجنب مشاكل جديدة مع محكمة العدل وأخرى مع سموتريتش تهدد بإسقاط ائتلافه.
وتطرقت الصحيفة إلى تحول سموتريتش المفاجئ لمهاجمة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، الذي كان من المفترض أن يكون المنقذ لنهج "سحق حماس وغزة" في الحرب.
ومع احتدام الخلاف الداخلي، حاول نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس احتواء الموقف من خلال تطمينات، تارة من خلال تصريحات بأن قرارا بشأن إدخال المساعدات لم يتخذ بعد، حسبما نقلت القناة الثانية عشرة عن مسؤول سياسي، أو من خلال تأكيد كاتس أن المساعدات لن تدخل عبر حماس.
وتقول جيروزاليم بوست إن نتنياهو "الذي يؤيد السماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة طوال الحرب تقريبا، لن يختلف موقفه هذه المرة على الأرجح".
ورأت أن تباهي نتنياهو بقطع تلك المساعدات في أوائل مارس، "لم يكن إلا جزءا من استراتيجية قصيرة الأجل لمحاولة الضغط على حماس لتقديم تنازلات بشأن الرهائن".
واعتبرت الصحيفة أنه إذا كانت هذه استراتيجية نتنياهو على المدى الطويل، فلن يختلف الوضع في الوقت الذي ستمثل فيه إسرائيل أمام محكمة العدل في الفترة من يوم الاثنين المقبل حتى الجمعة المقبل للرد على اتهامات لها باستخدام التجويع كسلاح في الحرب.
وهذا يعني أنه عندما تذهب إسرائيل إلى المحكمة الأسبوع المقبل، فإنها لا تحتاج فقط إلى إنكار حدوث مجاعة حتى الآن، بل يجب أن يكون لديها تصور لكيفية السماح بإدخال المساعدات الغذائية في المستقبل القريب إذا لم يكن هناك وقف لإطلاق النار وبدأ مخزون المساعدات الموجود في القطاع في النفاد، بحسب الصحيفة.
ومع تصاعد الخلافات داخل الائتلاف الحاكم، وجهت المعارضة أسهم الانتقاد للحكومة الإسرائيلية، واعتبر زعيم المعارضة يائير لابيد أن حكومة نتنياهو غير قادرة على الانتصار في الحرب، قائلا: "كان لديهم عام ونصف العام ودعم من الأمريكيين بالإضافة لدعم المعارضة، والآن نفدت الأعذار".
وأضاف لابيد: "الحكومة التي لا تستطيع تحديد استراتيجيتها لليوم التالي في غزة لن تحقق النصر"، منتقدا موقف سموتريتش من زامير، "فوزراء الحكومة يهاجمون رئيس الأركان الجديد الذي اختاروه بأنفسهم".
كما حذر يائير جولان، زعيم حزب الديمقراطيين، من أن "دولة إسرائيل في خطر، ليس بسبب عدو خارجي بل بسبب التفكك الداخلي".
ويرى مراقبون أن سموتريتش، الرافض بشكل قاطع لفكرة إدخال المساعدات إلى غزة وفق الآلية التي كانت متبعة من قبل، لم يقدم تصورا آخر سوى اضطلاع الجيش بالمهمة، بل تحدث عن التصعيد عسكريا "حتى يتم إيجاد حل آخر"، وهو ما يعكس غياب رؤية واضحة على الرغم من حديث مكرر للعديد من المسؤولين الإسرائيليين عن تحقيق "النصر المطلق" في الحرب.