تتجه الأنظار إلى نيويورك، الاثنين، حيث سيعقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة بناء على طلب مصر للنظر في ملف سد النهضة الذي يشهد خلافات مع إثيوبيا.
ويرى مراقبون أن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لن يصدر قرارات ملزمة في الفترة الراهنة لأسباب عدة، فيما أظهرت دراسة نشرت قبل عام أن المجلس لم يوفق في حل العديد من النزاعات الدولية التي نشأت على خلفية المياه والأنهار، مكتفيا بإصدار قرارات لم تسفر عن شيء.
وكانت مصر أعلنت في الـ20 من يونيو الجاري إحالة ملف سد النهضة الإثيوبي إلى مجلس الأمن، دعت فيه الأخير إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، التفاوض بحسن نية تنفيذا لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي.
وشددت القاهرة على عدم اتخاذ أي إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق.
ويقول أستاذ القانون الدولي أيمن سلامة، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، إن المجلس ملزم بموجب ميثاق الأمم المتحدة بفحص الطرق التي لجأت إليها أطراف النزاع قبل لجوء أي منهم للمجلس، ومن ثم، يجزم سلامة أن مجلس الأمن قد أحيط علما بكافة التطورات الأخيرة، خاصة بعد الاجتماع الاستثنائي رفيع المستوى الذي دعا إليه رئيس جنوب إفريقيا قادة الدول الثلاث.
وأضاف أن لدى المجلس السلطة في أن يحدد إن كانت الأزمة الحاصلة بين إثيوبيا ومصر "نزاعا دوليا" أو "موقفا دوليا".
وتدليلا على ذلك، حين اندلعت الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980، تحدث المجلس في قراراته الأولية عن "موقف" ولم يتحدث عن "نزاع".
ورأى أنه من غير المتوقع أن يصدر مجلس الأمن قرارات ملزمة لأطراف النزاع في هذه الآونة، خاصة أن ذات الاحتكاك الحاصل بين مصر وإثيوبيا هو محل الدراسة والتسوية لدى منظة الاتحاد الإفريقي.
ويؤكد خبير القانون الدولي أنه "إذا كان مجلس الأمن يستطيع في حالات النزاعات وليست المواقف أن يتخذ تدابير قسرية زجرية في المشاكل التي تهدد بالفعل السلم والأمن الدوليين، فإن المنظمات الإقليمية، مثل الاتحاد الإفريقي، لا تستطيع أن تتخذ مثل هذه الإجراءات والتدابير القسرية إلا بترخيص من مجلس الأمن".
ويضيف سلامة: "تطمح مصر أن يدرج مجلس الأمن الموقف على أنه نزاع دولي، ومن ثم فهي تطلب من المجلس في المذكرة المقدمة الأخيرة أن يصدر المجلس قرارا بعدم اتخاذ خطوات أحادية من الدول الثلاث، والمجلس لا يتخذ هذه القرارات إلا حين يكون هناك نزاع مهدد للسلم والأمن الدوليين، ويتخذ حينها القرار وفق الباب السابع لميثاق الأمم المتحدة".
ولا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يفرق بين النزاع والموقف، حيث يرجع ذلك للسلطة التقديرية لمجلس الأمن وفق كل حالة على حدة.
حالة استثنائية
وبحسب أستاذ القانون الدولي، فبالرغم من ندرة حدوث الحالة الحالية وهي أن تقوم منظمة إقليمية مثل الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن بمناقشة ذات الاحتكاك بين الدول، فإن ما يحدث الآن حالة استثنائية أن تكون المناقشات متزامنة بين المنظمتين الدوليتين، إذ يحدث في معظم الأحوال أن يكون هناك تتابع، لا تزامن، في تناول القضايا الدولية.
ويعني ذلك أن هذا النزاع حين يدرج بهذا التوصيف، يظل في أدراج مجلس الأمن، وتستطيع مصر في أي وقت أن تقدم أي شكوى في هذا الصدد، حتى وإن حدث اتفاق شامل مع إثيوبيا والسودان على تشغيل سد النهضة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الولايات المتحدة بالتقدم بطلب لمجلس الأمن لعقد جلسة تخص مصر، فالمرة الأولى كانت في أبريل عام 1957 بمناسبة أزمة قناة السويس بعد العدوان الثلاثي على مصر.
واستبعد سلامة أن يتمكن الاتحاد الإفريقي من التوصل إلى تسوية كافة النزاعات القانونية بين الدول الثلاث في غضون أسبوعين.
كيف نظر المجلس إلى نزاعات المياه في السابق؟
ولمجلس الأمن سجل واسع في النظر إلى نزاعات المياه بين دول العالم، تناولتها دراسة أكاديمية نشرها باحثان في جامعة جورج تاون الأميركية عام 2019، حللت الطرق التي اتبعها المجلس لحل هذه النزاعات.
وجاءت الدراسة بعنوان "قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بشأن نزاعات المياه"، وأعدها جيمس فراي وأغنيش تشونغ.
وخلصت الدراسة إلى أن بعض الالتزامات التي فرضت على بعض الدول تختلف مع قانون المياه الدولي، وهو ما أدى أحيانا إلى عودة الأمور إلى المربع رقم صفر ونشوب التوتر مجددا بين المتخاصمين.
وعلق مجلس الأمن بعض الالتزامات التعاهدية، وفرض بديلا آخر في 8 حالات على الأقل، قوض خلالها قانون المياه الدولي عبر منح الأولية لشرب المياه على حساب استخدامها، علما أن قانون المياه الدولي لا يعطي الأولوية لأي استخدامات معينة للمياه.
ومع تزايد عدد النزاعات الدولية بسبب المياه، تقول الدراسة إنه "بات على المجلس أن يجد سبلا لدعم قانون المياه الدولي عوضا عن قيوده لتحقيق مزيد من الاستقرار في مناطق المياه التي تواجه توترات بسبب هذه المادة الحيوية".
وذكرت أن العالم شهد 166 حالة نزاع مسلح بسبب المياه، كان آخرها عام 2018 عندما هاجمت تركيا البنية التحتية الخاصة بالمياه في شمالي سوريا.
وفي حالة نزاع نهر الكونغو أواخر التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، وذلك بعيد اندلاع الحرب الأهلية بين القوات الحكومية في جمهورية الكونغو الديمقراطية والمتمردين المدعومين من دول مجاورة، اندلع فصل كبير من القتال من أجل السيطرة على المدن المحاذية للنهر، وأدى القتال إلى غلق مجرى النهر، مما أثر على توزيع الدواء والغذاء إلى جانب تعطيل العديد من جوانب الحياة الأخرى.
ولذلك، قرر مجلس الأمن الدولي حينها أن الوضع في الكونغو الديمقراطية يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين، واتخذ القرار 1445 الذي يلزم الأطراف بإعادة حرية الحركة في النهر فورا.
ولجأ مجلس الأمن الدولي، كما في حالة الحرب الأهلية بجمهورية يوغوسلافيا السابقة مطلع التسعينيات، إلى فرض عقوبات، طالت حركة النقل على نهر الدانوب، الذي اندلعت بجواره أشرس المعارك بسبب أهميته، واستثنى المجلس بعض المشاريع بين يوغوسلافيا ورومانيا المتعلقة بالنهر من العقوبات مثل الكهرباء والنقل.
لكن بسبب تزايد الانتهاكات لقراراته، عمل المجلس على التقليل من الاستثاءات المفتوحة، وبإجراءات ملزمة تحت البند السابع.