حذرت طهران من "تحركات" للولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث عبر تقديم مشروع قرار جديد إلى مجلس المحافظين، التابع للوكالة الأممية.
دعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران، يوم الأربعاء، للسماح لها بالتحقق "في أقرب وقت ممكن" من مخزوناتها من اليورانيوم، خصوصاً عالي التخصيب.
نقلت وكالة "أرنا" الرسمية عن المندوب الدائم لإيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رضا نجفي، قوله يوم السبت، إن "إلزام المدير العام بتقديم تقارير استناداً إلى قرارات سابقة فقدت صلاحيتها لا يعدّ فقط عملاً غير قانوني وغير مبرر، بل يُفضي أيضاً إلى تعقيد الوضع أكثر ويوجه ضربة جديدة للمسار الدبلوماسي".
قال نجفي إن "هذه الدول تواصل إساءة استخدام الآليات الدولية لفرض رؤاها غير المنطقية والمتعجرفة على الشعب الإيراني، وتسعى عبر استغلال أغلبيتها العددية في مجلس المحافظين إلى فرض ما لم تتمكن من تحقيقه في نيويورك على اجتماعات فيينا". ووصف الخطوة الأميركية - الأوروبية المتوقعة بـ"غير القانونية"، قائلاً إنها "لن تغير شيئاً في وضع تنفيذ الضمانات داخل إيران، وهو الوضع الذي نشأ بفعل عدوان أميركا والكيان الصهيوني على إيران، ومماشاة الدول الأوروبية الثلاث وتواطئها".
دعا نجفي جميع الدول الأعضاء في مجلس المحافظين إلى "رفض النزعات الأحادية التخريبية لهذه الدول في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني"، مشدداً على أن لإيران "الحق في اتخاذ الرد المناسب تجاه أي تحرك غير قانوني أو غير مبرر يصدر عنها".
سيُعقد الاجتماع القادم لمجلس المحافظين يوم الأربعاء المقبل في فيينا لمناقشة مشروع القرار الغربي بشأن إيران.
أشارت وكالة "أرنا" إلى أن مشروع القرار ينص على أن إيران، وفقاً للقرارات الدولية التي أُعيد تفعيلها في سبتمبر/أيلول 2025، ملزمة بتعليق جميع أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة، بما يشمل البحث والتطوير والمشاريع المتعلقة بالماء الثقيل.
يطالب المشروع إيران بالامتثال للبروتوكول الإضافي وتزويد الوكالة بكل المعلومات المتعلقة بمخزون اليورانيوم المخصب والمنشآت الخاضعة للضمانات.
قال مدير الوكالة الدولية في تقريره الجديد إن هناك انقطاعاً لديها في المعلومات "المتعلقة بكميات المواد النووية المعلنة سابقاً في إيران داخل المنشآت المتضررة"، وذلك بعدما علقت طهران في يوليو/تموز تعاونها مع الوكالة الدولية عقب حرب استمرت 12 يوماً في يونيو/حزيران. اندلعت الحرب إثر غارات إسرائيلية مفاجئة استهدفت خصوصاً منشآت نووية إيرانية، وتخللتها ضربات أميركية ضد أهداف داخل إيران، ردّت عليها طهران بإطلاق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل.
تجاهلت طهران النداءات الدولية للتعاون مع الوكالة الذرية واستئناف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة، وذلك بعد أشهر من التوتر الحاد الذي أعقب حرب الـ12 يوماً.
وضع البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك حالة وموقع مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مستويات تقترب من درجة تصنيع الأسلحة، سيكون محور اجتماعات مجلس المحافظين التابع للوكالة في فيينا.
ستعمل الدول الغربية المشاركة في الاجتماع على صياغة أوامر جديدة لمفتشي الوكالة تمكنهم من تحديد حالة المخزون النووي لطهران، وفقاً لثلاثة مسؤولين طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، نظراً لحساسية المعلومات، حسب وكالة "بلومبرغ".
ذكر دبلوماسي غربي رفيع لـ"بلومبرغ" أن الوكالة مستعدة لاستئناف عمليات التفتيش على المواقع النووية الإيرانية فوراً، لكن طهران تصر على أن تلك المواقع ما تزال غير آمنة بعد الضربات التي نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة قبل خمسة أشهر.
أضاف أن إيران ربما تراهن على أن "التعتيم المعلوماتي" سيمنع أية ضربات لاحقة، في حين أن الدول المعنية قد تعتبر ذلك خداعاً وتلجأ إلى القصف مجدداً نتيجة غياب التواصل.
أكد المدير العام للوكالة رافائيل ماريانو غروسي في سبتمبر/أيلول الماضي أن التعاون مع المفتشين أمر بالغ الأهمية لتقليل خطر تجدد الهجمات العسكرية.
يتآكل الإجماع الدولي حول الخطوات المقبلة؛ إذ تسعى بعض الدول الغربية إلى زيادة الضغط على إيران عبر حرمان علمائها من الوصول إلى برامج التعاون الفني للوكالة في مجالات مثل الطب النووي، وفقاً للدبلوماسيين.
تحذر دول أخرى من أن قطع كل أشكال الدعم قد يأتي بنتائج عكسية ويزيد من احتمال انسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
أثار برنامج إيران النووي قلق الغرب لعقود. هزت التوترات المتعلقة بطبيعة هذا البرنامج، الذي يعود تاريخه إلى خمسينيات القرن الماضي، أسواق النفط على نحو متكرر، وأدت إلى فترات متعاقبة من التهدئة والتصعيد مع الولايات المتحدة.
تفيد إيران بأنها لا تسعى إلى تطوير سلاح نووي، لكنها سرعت وتيرة تخصيب اليورانيوم رداً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى الانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015، وفرض عقوبات قاسية على اقتصادها. قبل هجمات يونيو/حزيران، امتلكت إيران احتياطيات كافية من اليورانيوم عالي التخصيب تتيح لها تصنيع نحو 12 قنبلة نووية بسرعة، وفق بعض المصادر الغربية.
منذ ذلك الحين، فقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية القدرة على تتبّع هذه المواد. يشدد مديرها العام رافاييل غروسي على أن هذا الغياب للمعلومات يشكل مصدر قلق بالغ.
تُظهر صور الأقمار الاصطناعية الحديثة نشاطاً إيرانياً في محيط المواقع التي تعرضت للقصف في فوردو ونطنز وأصفهان.
لا يزال مفتشو الوكالة غير متأكدين مما إذا كانت تلك الأنشطة تقتصر على عمليات إزالة آثار القصف، أم أنها قد تشمل نقل مخزونات من اليورانيوم.
دعا بيان صادر عن مجموعة السبع في وقت سابق من هذا الأسبوع، إيران إلى استئناف تعاونها الكامل مع الوكالة الدولية، والانخراط في محادثات مباشرة مع إدارة ترامب.
رفض متحدث باسم الخارجية الإيرانية الدعوة، لأنها لم تدن الهجمات الإسرائيلية والأميركية على منشآت بلاده. قال أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في بيان مؤخراً: "لم تُنقل أية رسالة جديدة إلى الولايات المتحدة، والسبب في ذلك هو أن مفاوضات سابقة كانت قد جرت بالفعل، ولم يظهر الطرف الآخر أي استعداد للتوصل إلى اتفاق".
وفقاً لدبلوماسي آخر، "حتى لو خضعت إيران فوراً للتفتيش وتعاونت بالكامل مع الوكالة، فقد يستغرق الأمر سنوات لاستعادة اليقين بشأن مصير مخزونها النووي. وقد تكون أوعية الاحتواء التي خُزنت فيها المواد قد تعرضت للتدمير، مما أدى إلى تسرب كميات من اليورانيوم إلى البيئة". أضاف المصدر أن هجمات حزيران لم تنهِ المخاوف المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، بل افتتحت فصلاً جديداً منها.