يكثّف البيت الأبيض ضغوطه على الكونغرس لإلغاء ما تبقى من العقوبات المفروضة على سوريا، محذراً من أن الإبقاء عليها قد يقوّض الحكومة السورية الجديدة التي تراها إدارة الرئيس دونالد ترامب حجر الزاوية في استراتيجيتها الإقليمية الأوسع.
فبعد مرور نحو عام على الانتفاضة الخاطفة التي قادها أحمد الشرع وأطاحت بالنظام السابق، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً ألغى بموجبه معظم العقوبات الأميركية، وفاء بوعده في مايو بمنح سوريا "فرصة للعودة" بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية التي دفعت 90% من السكان إلى الفقر، لكن العقوبات الأشد، المفروضة بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا"، لا تزال سارية، إذ يتطلب رفعها موافقة الكونغرس.
قانون "قيصر" بين الرمزية الأخلاقية والعقبة الاقتصادية
وأُقر "قانون قيصر" نسبة إلى المنشق السوري الذي سرب صوراً وثّقت فظائع نظام الأسد، وكان يهدف إلى تشديد الخناق المالي على الحكومة السورية من خلال معاقبة الداعمين لجيشها وصناعاتها الرئيسة. ورغم أن إدارة ترامب أصدرت إعفاء مؤقتاً لمدة 180 يوماً لتعليق تنفيذ القانون، فإن خبراء يرون أن الإلغاء الدائم وحده كفيل بإعادة الثقة للمستثمرين الدوليين.
وفي منشور مطول على منصة X، وصف المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك، القانون بأنه "نظام عقوبات خدم غرضه الأخلاقي ضد الأسد، لكنه اليوم يخنق أمة تحاول النهوض من الركام"، داعياً إلى "إطلاق واحدة من أهم جهود إعادة الإعمار منذ أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية".
تحركات مكثفة داخل الكونغرس
وفقاً لمصدر في الكونغرس تحدث لموقع "مونيتور"، فإن مسؤولي البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والخزانة "كانوا واضحين تماماً في مطالبتهم الكونغرس بإلغاء قانون قيصر بشكل كامل ونهائي". وأضاف المصدر أن براك أجرى اتصالات مباشرة مع عدد من كبار المشرعين الجمهوريين لحشد الدعم لهذا التوجه.
لكن الشكوك لا تزال قائمة تجاه حكومة الشرع التي تشكلت في يوليو الماضي. فقد صوّتت لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب على مشروع قانون قدمه النائب الجمهوري مايك لولر، يشترط تحقيق تقدم في مكافحة تهريب المخدرات وحماية الأقليات قبل رفع العقوبات. ورغم اعتراض معظم الديمقراطيين عليه، فقد شهد التصويت انقسامات داخل الحزبين.
اصطفاف جديد داخل الحزبين
الجهود الداعية لإلغاء العقوبات وحّدت مجموعة غير متوقعة من المشرعين من الحزبين، فقد قادت السيناتور جين شاهين الديمقراطية من نيوهامبشر، والنائب جو ويلسون الجمهوري من كارولاينا الجنوبية، المساعي داخل الكونغرس لإلغاء القانون. كما انضمت منظمات سورية أميركية كانت قد أيدت القانون في بدايته إلى حملة تدعو الآن لإنهائه.
وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لـ"قوة مهام الطوارئ السورية" في واشنطن: "من قيصر نفسه إلى عائلات الضحايا الذين ظهرت صورهم، الجميع اليوم يطالب بإلغاء القانون".
وفي المقابل، تواصل بعض الجماعات المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، الضغط للإبقاء على العقوبات ضد ما تعتبره "دولة تشكل تهديداً محتملاً لإسرائيل والأقليات".
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن مسؤولين إسرائيليين كباراً، بينهم رون ديرمر، المساعد المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أجروا اتصالات مع مشرعين أميركيين لحثهم على الإبقاء على القانون.
معركة "تفويض الدفاع"
وضمن النسخة الأخيرة من قانون تفويض الدفاع الوطني، أدرج مجلس الشيوخ تعديلاً تقدّمت به شاهين لإلغاء "قانون قيصر"، بينما أضاف السيناتور ليندسي غراهام تعديلاً آخر يلزم الرئيس بالتصديق كل ستة أشهر على التزام الحكومة السورية بشروط محددة، منها الامتناع عن أي عمل عسكري ضد إسرائيل، وطرد المقاتلين الأجانب.
ويؤكد مسؤول في إدارة ترامب أن "إبقاء هذه الشروط سيُربك المستثمرين ويقوّض فرص سوريا في التعافي الاقتصادي الكامل". ومن المتوقع أن تبدأ المفاوضات بين مجلسي الشيوخ والنواب لصياغة النسخة النهائية من قانون الدفاع، على أن تُرسل إلى ترامب للتوقيع قبل نهاية العام.