تكشف شهادة الجندي الإسرائيلي "غادي" بعد قتال استمر عامين عقب هجوم "طوفان الأقصى"، عن الانهيار النفسي والاجتماعي العميق الذي يعيشه الجنود الإسرائيليون، بحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت"
وبحسب غادي (اسم مستعار) عاد الجنود الإسرائيليين من الجبهة "أنصاف بشر" يعانون العزلة وتفكك عائلاتهم وفقدان المعنى.
ويصف غادي كيف تحولت الخدمة الاحتياطية في الجيش الإسرائيلي إلى عبء دمر حياة الآلاف، في ظل تجاهل الدولة لمعاناتهم الحقيقية، مما يعكس أزمة هوية داخل الجيش والمجتمع الإسرائيلي بعد الحرب، وانهيار صورة "الجندي البطل" لتحل محلها صورة المقاتل المنهك والضحية لحرب بلا نهاية.
ففي شهادة صادمة نشرها مركز الثقافة المتاحة في تل أبيب، يروي الجندي "غادي" تجربته في القتال في جبهات غزة ولبنان وسوريا، منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، عقب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية. شهادته تكشف الانهيار النفسي والاجتماعي العميق الذي يعيشه الجنود الإسرائيليون بعد الحرب، وتفكك أسرهم وتبدد صورتهم كـ"أبطال" في نظر المجتمع الإسرائيلي.
"عدنا أنصاف بشر"
يصف غادي حاله بعد عودته من الجبهة قائلا: "كل من عاد من هذه الحرب، حتى من يبدون ناجحين ومستقرين، عادوا نصف إنسان. لا شيء في الداخل سوى الحطام".
يتحدث الجندي عن حياته التي انهارت من الداخل رغم مظهره الخارجي المتماسك، وعن فقدانه القدرة على التواصل مع عائلته وزوجته وأطفاله، بعد أن عاش عاما ونصف العام في ساحات القتال.
ويقول: "لا يمكن أن ترسل أبا لأطفال صغار إلى حرب طويلة، ثم تعيده فجأة ليعيش كأن شيئا لم يكن".
ويضيف أن الكلمة التي يسمعها من محيطه "أحسنتَ صنعا" باتت تثير غضبه، لأنها تذكره بأن المجتمع لا يرى سوى "المظهر البطولي"، بينما يعيش داخله خرابا نفسيا عميقا.
يروي غادي أن عائلته اعتادت على العيش بدونه، حتى صار وجوده في البيت عبئا. يقول: "عندما عدت، شعرت أنني ضيف غريب. الأطفال لا يعرفون كيف يتحدثون إلي، وزوجتي أنهكتها المسؤولية والخوف الدائم".
ويصف كيف تحولت الحروب المتكررة إلى كابوس دائم لأسر الجنود، إذ تعيش الزوجات تحت ضغط مستمر بين الخوف من تلقي نبأ مقتل أزواجهن والعجز عن إدارة الحياة اليومية وحدهن، بينما تغيب أي رعاية أو دعم حقيقي من الدولة الإسرائيلية.
"لعنة.. لا بطولة"
يؤكد غادي أن فكرة "المساواة في الأعباء" التي تروجها الحكومة الإسرائيلية مجرد خداع، ويصفها بأنها "مساواة في استغلال الحياة"، موضحا أن الخدمة الاحتياطية الطويلة دمرت حياة آلاف الإسرائيليين الذين باتوا يعيشون بين الحرب والاضطراب النفسي.
ويشير إلى أن "طوفان الأقصى" غير كل شيء داخل المجتمع الإسرائيلي، فالحرب لم تترك أثرها على الميدان فحسب، بل فجرت أزمة هوية عميقة داخل الجيش والمجتمع.
ويقول: "ما يحدث الآن لا يشبه أي حرب سابقة. لم نعد كما كنا، لا نحن ولا عائلاتنا".
ويحمل الجندي "غادي" حكومته المسؤولية عن تدمير معنويات الجنود، معتبرا أن إسرائيل "أرسلت أبناءها إلى حرب لا تنتهي، ثم تركتهم ليواجهوا مصيرهم". ويعبر عن غضب عارم تجاه قادته الذين "يظنون أن منحة مالية أو تذكرة ليوم ترفيهي كفيلة بإصلاح حياة محطمة".
شهادة غادي ليست حالة فردية، بل صورة عن أزمة أعمق يعيشها الجيش الإسرائيلي بعد هجوم طوفان الأقصى. فبين جبهات الجنوب والشمال، يعيش كثير من الجنود حالة إنهاك نفسي، وشعورا باللاجدوى من حرب لم تنته.
"نعم، سأعود إلى الجبهة إن استدعوني"، يقول غادي في ختام اعترافه، "لكن اعرفوا أن الثمن فادح... لقد عدنا أنصاف بشر".
وتكشف هذه الشهادة عن الصدمة الوجودية التي أصابت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، والتي انعكست في شكل اضطرابات نفسية، تفكك أسري، وتراجع الثقة بالدولة والقيادة. إنها حرب لم تنهها إسرائيل ميدانيا فحسب، بل كسرت جنودها من الداخل، وحولت ما كان يقدم كنموذجٍ للبطولة إلى رمز للانهيار الإنساني والمعنوي.
المصدر: يديعوت أحرنوت