الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - أخبار العالم - "حرقوا أشجار الزيتون"... المستوطنون يصعّدون اعتداءاتهم بالضفة

"حرقوا أشجار الزيتون"... المستوطنون يصعّدون اعتداءاتهم بالضفة

الساعة 12:42 مساءً

 

في مشهد يتكرر كل عام مع موسم الزيتون، صعّد المستوطنون الإسرائيليون اعتداءاتهم ضد المزارعين الفلسطينيين في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، في وقت يُفترض أن يكون موسم القطاف مناسبة للرزق في القرى الفلسطينية، لا ساحة مواجهات وحرق للأشجار والممتلكات.

 

هجمات متزامنة شمال الضفة وجنوبها

فقد أكدت مصادر محلية أن مجموعة من المستوطنين هاجمت صباح الأحد، مزارعين في قرية ترمسعيا شمال رام الله، ما أدى إلى إصابة أحدهم بجروح، فيما أُضرمت النيران في عدد من مركبات المزارعين.

 

 

 

وفي بلدة الساوية جنوب نابلس، هاجم مستوطنون آخرون قاطفي الزيتون وأحرقوا سيارات خلال اعتداء وقع بين قريتي المغير وترمسعيا، بينما قام أحد رعاة المستوطنين في بيت لحم بإدخال قطيعه إلى أراضي المواطنين الزراعية في منطقة خلايل الوز جنوب المدينة، متسبباً بأضرار كبيرة في المحاصيل الزراعية.

 

وفي شمال الضفة الغربية، أفادت مصادر فلسطينية بأن جرافة تابعة للمستوطنين شرعت بأعمال تجريف في الأراضي الواقعة بين قريتي برقة وبيت إمرين، وهي منطقة تشهد منذ سنوات محاولات متكررة لتوسيع بؤر استيطانية على حساب الأراضي الزراعية الفلسطينية.

 

تزايد الهجمات خلال موسم الزيتون

تأتي هذه الاعتداءات في ظل تصاعد الهجمات التي ينفذها المستوطنون سنوياً خلال موسم قطف الزيتون،مستغلين انشغال المزارعين في الحقول للاعتداء عليهم ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم الواقعة قرب المستوطنات أو الطرق الالتفافية.

 

فيما أكدت منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية أن هذا النمط من الاعتداءات يشمل عادة قطع الأشجار وسرقة ثمار الزيتون وإحراق الممتلكات والاعتداء الجسدي على المزارعين، وسط ما وصفته هذه المنظمات بـ"غياب المساءلة والمحاسبة" عن منفذي الهجمات.

 

فقد تم تسجيل أكثر من 400 اعتداء موثق للمستوطنين ضد مزارعين فلسطينيين خلال موسم الزيتون في العامين الماضيين، أغلبها في محافظات نابلس ورام الله وسلفيت وجنين، وهي مناطق محاطة بسلسلة من المستوطنات والبؤر العشوائية، وفقاً لتقرير أصدرته منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية.

 

 

مصدر رزق وتاريخ مهدد

ويُعد موسم الزيتون من أهم أعمدة الاقتصاد الريفي الفلسطيني، إذ يعتمد عليه نحو 80 ألف مزارع كمصدر أساسي للدخل. وتغطي أشجار الزيتون ما يقارب نصف الأراضي الزراعية الفلسطينية، فيما تُقدّر إنتاجية الضفة الغربية بنحو 10 آلاف طن من زيت الزيتون سنوياً، يُخصص جزء كبير منه للتصدير.

 

 

لكن في السنوات الأخيرة، تحوّل هذا الموسم إلى فترة توتر ومخاطر أمنية، خصوصاً في القرى الواقعة على تماس مباشر مع المستوطنات، حيث يُمنع المزارعون أحياناً من دخول أراضيهم إلا بتنسيق مسبق مع الجيش الإسرائيلي.

 

في حين أوضح مزارعون محليون أن الاعتداءات لم تعد موسمية فقط، بل "باتت جزءاً من سياسة ممنهجة تهدف إلى دفع السكان لترك أراضيهم"، عبر الترهيب المستمر والتخريب المنظم للأشجار، في وقت يحتاج فيه شجر الزيتون لعقود لينضج ويثمر.

 

شجرة السلام على خط المواجهة

وترتبط شجرة الزيتون في الوعي الفلسطيني بالثبات والانتماء للأرض، إذ تُزرع منذ آلاف السنين وتُعد رمزاً وطنياً في الأدب والفن والتراث الشعبي.

 

لكن هذا الرمز بات في قلب الصراع، مع تسجيل عشرات آلاف الأشجار المقتلعة أو المحروقة منذ عام 2000 وفق بيانات وزارة الزراعة الفلسطينية، التي أكدت أن الاعتداءات طالت أكثر من 2.5 مليون شجرة خلال العقدين الأخيرين.

 

كما أشارت الوزارة إلى أن الخسائر السنوية الناجمة عن هذه الاعتداءات تتجاوز 20 مليون دولار، ما بين خسارة محصول وتدمير بنية تحتية زراعية.

 

دعوات متجددة للحماية الدولية

من جانبها، دعت هيئات فلسطينية ومنظمات حقوقية المجتمع الدولي إلى توفير الحماية للمدنيين والمزارعين في الضفة الغربية، ووقف اعتداءات المستوطنين التي تُنفَّذ – بحسبها – غالباً بحماية من الجيش الإسرائيلي.

 

وطالبت وزارة الخارجية الفلسطينية الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بـ"تحمّل مسؤولياتهما في ضمان تطبيق القانون الدولي الإنساني ومساءلة المعتدين"، مؤكدة أن استمرار هذه الاعتداءات "يُقوّض فرص الاستقرار ويهدد العملية الزراعية برمتها".

 

في المقابل، لم تصدر السلطات الإسرائيلية تعليقًا رسميًا حول الهجمات الأخيرة، لكن منظمات إسرائيلية مناهضة للاستيطان مثل سلام الآن عبّرت عن قلقها من "تزايد أعمال العنف من المستوطنين وتراجع الردع الحكومي ضدهم".

 

ورغم المخاطر، شدد مزارعون فلسطينيون على تمسكهم بالبقاء في أراضيهم وجمع محاصيلهم، ولو تحت التهديد. وتبقى شجرة الزيتون في فلسطين أكثر من مجرد محصول اقتصادي؛ إنها شاهد على صراع يومي بين من يتمسك بالأرض ومن يسعى لانتزاعها، وبين موسم يُفترض أن يكون رمزاً للسلام، لكنه يتحول كل عام إلى موسم للمواجهة والصمود.