الشبكة العربية للأنباء
الرئيسية - تكنولوجيا و صحة - هل تشكل الرطوبة سلاحاً قوياً بوجه كورونا؟

هل تشكل الرطوبة سلاحاً قوياً بوجه كورونا؟

الساعة 11:50 صباحاً (ANN )

 

ظهر سلاح مهم مُحتمل ضد مرض كوفيد-19 من ملاحظتين غير مرتبطتين ببعضهما البعض ومن خلال ظروف ووقائع متباعدة.

ووفقاً لما نشرته مجلة "نيوزويك" الأميركية، جاءت الملاحظة الأولى قبل عدة سنوات عندما أبرز الطبيب السويسري، والتر هوغنتوبلر، الذي كان يعمل ببعض الأحيان في عيادة بمطار زيوريخ الدولي، ظاهرة متكررة أثارت انتباهه أثناء عمله بالمطار وهي أن الطيارين والمضيفات أكثر عرضة للإصابة بالإنفلونزا طوال الوقت على مدار العام، على الرغم من أنهم كانوا يتمتعون بصحة جيدة بشكل عام.

 

 

وفي الآونة الأخيرة، لاحظ حضير رحمنداد، مهندس في كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن معدلات تفشي جائحة كوفيد-19 تختلف من منطقة لأخرى في إيران، على الرغم من تشابه الكثافة السكانية.

المُستجد يتأثر بالحرارة والرطوبة

تابع كلا العالمين ملاحظاتهما بإجراء دراسات توصلت إلى نظرية مهمة فيما يتعلق بإمكان مكافحة كوفيد-19، وهي أنه من المرجح أن انتشار العدوى بالمرض يتأثر بشكل كبير ويختلف باختلاف درجة الحرارة والرطوبة.

وتبشر ملاحظة وجود مثل هذه الخاصية في كورونا بأن هناك أملا في التمكن من التخفيف من حدة انتشار الفيروس بإجراءات بسيطة مثل تركيب أجهزة الترطيب في المنازل. وفي أشهر الشتاء الجاف، يمكن أن يتم سحب الهواء البارد إلى المنزل وتدفئته، مما يقلل الرطوبة النسبية، أو بعبارة أخرى، يستطيع الهواء الساخن الاحتفاظ برطوبة أكثر مما يحتويه بالفعل.

كما يتسبب الهواء الجاف في إضعاف قدرة الرئتين على التصدي لغزو الفيروسات وقدرة الجهاز المناعي على منع الفيروس من التكاثر.

سلاح ذو حدين

تقول أكيكو إيواساكي، أخصائية المناعة بجامعة ييل، شاركت في إحدى هذه الدراسات مع هوغنتوبلر: "نقضي 90% من حياتنا في أماكن مغلقة، حيث يكون الهواء جافاً جداً في فصل الشتاء. ويعد هذا بالضبط الوقت والظرف المناسبين لبقاء الفيروس وانتقال العدوى به على أفضل وجه".

ويشير البحث إلى أن الرطوبة النسبية التي تتراوح بين 40 و60% يمكن أن تساعد الجسم على محاربة الفيروس. لكن يوجد جانب سلبي مُحتمل أن يترتب على نتائج تلك الدراسة، والتي تدعم أيضاً النظرية القائلة إن الحرارة والرطوبة في الصيف ستثبط كوفيد-19، مما يؤدي إلى انخفاض مؤقت في الحالات الجديدة والوفيات، لأنه من المؤكد أن فترة الراحة ستكون مصدر اطمئنان. إلا أن الخبراء يحذرون من أن الاطمئنان والتعامل بثقة تامة ربما يهيئ الظروف لانتعاش مدمر للوباء مجدداً، على غرار ما حدث في جائحة إنفلونزا عام 1918.

محنة وحكمة

تلقي محنة كثرة تعرض الطيارين والمضيفات للإصابة بالإنفلونزا بشكل متكرر الضوء على انتشار عدوى الإنفلونزا المعروفة وبعض التهابات الجهاز التنفسي الأخرى والتي تصل ذروتها في فصل الشتاء.

وتقول الحكمة التقليدية إن درجات الحرارة الباردة تدعم الفيروسات وتقمع جهاز المناعة لدى الإنسان. لكن هوغنتوبلر يشتبه في احتمال أن الانخفاض الشديد للرطوبة النسبية في مقصورة الطائرة ربما تكون السبب الأكبر، والتي تتشابه إلى حد ما مع الأجواء الجافة خلال فصل الشتاء.

إلى ذلك وجدت سلسلة من الدراسات من عقود سابقة أن هناك ارتباطا بين تركيب أجهزة الترطيب الداخلية وتقليل التغيب عن العمل في المدارس وأماكن العمل خلال أشهر الشتاء. ويستطرد هوغنتوبلر قائلًا: "إلا أنه لم يول أحد اهتماماً بهذه الدراسات".

الهواء الجاف يقوي الفيروس

في أواخر العام الماضي، أشارت إيواساكي، التي نشرت في وقت سابق من العام، دراسة رائدة تُظهر أنه أمكن اختراق نظام المناعة في الفئران في ظل الرطوبة المنخفضة، التي أضعفت قدرة هذه الحيوانات على مقاومة أمراض الجهاز التنفسي.

وأثبتت الدراسة بأدلة قوية وثابتة أن الهواء الجاف الدافئ الموجود في الأماكن المغلقة في فصل الشتاء بمعظم أنحاء العالم يساعد في الحفاظ على بقاء الفيروسات سليمة، بينما يؤثر سلباً على جهاز المناعة والأهداب الواقية التي تبطن الرئتين.

الرئتان والمناعة

كما تقول إيواساكي: "خلال الليل، يمنع الهواء الجاف الأهداب في الرئتين من التخلص من جميع الملوثات والفيروسات التي تم استنشاقها على مدار اليوم".

وعندما تفشت جائحة كورونا، أعاد الباحثون الثلاثة صياغة دراستهم ليأخذوا في الاعتبار البيانات المتاحة حول تأثير انخفاض الرطوبة على كورونا الذي يؤدي للإصابة بمرض كوفيد-19، والتي دعمت استنتاجاتهم السابقة.

تمحيص البيانات والإحصائيات

من جانبه، يشير بروفيسور رحمنداد إلى أنه لوحظ أن بعض أجزاء من بلدان العالم بدت أقل تأثراً من مناطق أخرى، مثلما هو الحال في إيران والهند وبقية دول جنوب آسيا، وعلى الرغم من أن الكثافة السكانية العالية وحركة المرور والقرب من الصين، وجميعها عوامل كانت ترشح هذه المناطق إلى أن تكون بؤر مثالية للانتشار السريع للعدوى بكوفيد-19، ولكن بسبب الطقس والرطوبة فلم يحدث ذلك.

 

كما انضم إلى بروفيسور رحمنداد، الذي سبق أن أجرى بحثاً حول نمذجة انتشار الأوبئة، مجموعة من علماء جامعات هارفارد وكونيتيكت وفيرجينيا تيك من أجل معرفة تأثير الطقس على كوفيد-19. وكانت المهمة الأولى هي محاولة تصحيح الأخطاء والتناقضات الكبيرة المختلفة في بيانات معدل الإصابة التي كانت تتدفق من بلدان مختلفة.

وكان من بين أعضاء الفريق محمد جلالي من جامعة هارفارد، عالم متخصص في البيانات معني بمسائل الصحة العامة، واضطلع بمهمة إيجاد طرق لتعديل النتائج لمراعاة الاختلافات غير المرتبطة بالطقس بين البلدان والمناطق المختلفة في المشروع البحثي.

ويوضح جلالي: "تم وضع المعايير وفقاً لمعطيات ترتبط بمراقبة الكثافة السكانية والأعراف الاجتماعية والثقافية والتغيرات في سياسة الحكومات الصحية".

أعلى من 25 درجة مئوية

استناداً إلى بيانات من أكثر من 3700 موقع حول العالم من ديسمبر حتى إبريل، وجد الفريق البحثي أن معدلات الإصابة تبدأ في الانخفاض مع درجات حرارة تزيد عن 25 درجة مئوية، مع مستويات عالية جداً من ضوء الشمس الساطع وارتفاع الرطوبة. ويقول رحمنداد إن "كل هذه العوامل مجتمعة تؤكد أن الطقس يمكن أن يؤثر على معدلات انتقال العدوى بنسب تتراوح ما بين 15 إلى 40%، اعتماداً على الموقع الجغرافي".

غير أنه بحسب الفريق العلمي يتطلب الأمر خفض انتشار العدوى بنسبة 70% من أجل القضاء على الجائحة، كما أن الشعور السائد بالاطمئنان المتوقع أن يصاحب انخفاض نسب العدوى ربما يؤدي إلى حدوث موجة ثانية من الجائحة أشد وطأة.

توصيات العلماء

ويوصي العلماء، على المدى القريب، بأن يتم مواصلة اتخاذ كافة التدابير الطبية والدوائية، جنباً إلى جنب وإعداد مسؤولي الصحة العامة في مختلف البلدان بشكل مناسب ليتولوا تقديم المشورة للمواطنين من أجل استمرارهم في الالتزام بالإجراءات الاحترازية، حتى مع ارتفاع الحرارة والرطوبة وتراجع أعداد حالات الإصابة الجديدة.

وعلى المدى البعيد، يرى العلماء أنه ربما يكون قد تم التوصل إلى إنتاج لقاح يقضي على الفيروس قبل حلول الشتاء القادم، وإلى حين يتم اكتشافه وتجربته واعتماده، يمكن أن يتم الاستعانة بأجهزة الترطيب في المنازل وأماكن العمل.

كما تؤكد إيواساكي أنه يمكن أن تأتي الحماية على المدى الطويل ضد ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي في فصل الشتاء، بما في ذلك الأوبئة في المستقبل، من خلال تغيير قوانين البناء ومواصفات المنشآت بحيث يتم فرض تصميمات تحافظ على الرطوبة بشكل أفضل في الأماكن المغلقة خلال الأشهر الأكثر برودة، خاصة في المستشفيات ودور الرعاية للمسنين.