حذرت رابطة أمراض القلب الأميركية (American Heart Association) من مخاطر انتشار القلق من الإصابة بفيروس كورونا المستجد في أوساط الأميركيين، خصوصاً المراهقين والأطفال.
مخاوف مدمرة
نوهت الجمعية بأن هذه المخاوف ربما تتفوق في الخطورة على المرض نفسه، حيث يعاني كثير من المراهقين من أعراض تبدو وكأنها «كورونا» مثل ضيق التنفس، ولكن عند إجراء التحليل والأشعة المقطعية والكشف الإكلينيكي يتضح أن المريض يعاني من نوبة هلع (panic attack)، نظراً لتواتر الأخبار عن زيادة أعداد الإصابات ونسب الوفيات.
وأكدت أن البالغين قادرون على تجاوز القلق من الأزمات المختلفة بدون أن يترك ذلك آثاراً نفسية تؤدي إلى أمراض عضوية، بعكس المراهقين وصغار السن، حيث يمكن أن تترك الصدمات النفسية أثراً دائماً عليهم.
وأوضحت الجمعية أن نشر الأخبار الإيجابية عن فيروس كورونا المستجد يمكن أن يقلل من حدة المخاوف، وأشارت إلى أن الفيروس لا يعد مميتاً، حتى وإن كان سريع الانتشار.
وهناك نسبة كبيرة جداً من المرضى تبلغ 80 في المائة، ربما لا يشعرون بأي أعراض على الإطلاق. وفي الأغلب لا تتعدى الأعراض نزلة البرد العادية.
أما المرضى الذين يحتاجون للحجز في المستشفيات، وإجراء تنفس صناعي، فنسبتهم أقل من 5 في المائة، ونسبة الوفيات لا تتعدى الـ3 في المائة من الإصابات في العالم.
وذكرت الجمعية أيضاً أن كثيراً من مرضى القلب البالغين الآن، كانوا قد تعرضوا في طفولتهم أو مراهقتهم إلى أحداث مأساوية، مثل الأعاصير أو الزلازل أو الحروب، مثل إعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة في عام 2005، والذي تسبب في خسائر مادية وبشرية كبيرة، وعانى الكثير من المراهقين، خصوصاً من الأصول الأكثر فقراً من الأمراض النفسية، التي أدت إلى إصابتهم بأمراض عضوية لاحقاً، منها أمراض القلب.
مضاعفات نفسية وعضوية
أشار الخبراء النفسيون إلى أن استجابة الجسم للقلق والتوتر في البداية يمكن أن تحمي الإنسان من المخاطر، ولكن استمرار التعرض لهذه المؤثرات لفترات طويلة يؤدي إلى العديد من الأمراض النفسية والعضوية. وعلى سبيل المثال في حالة تعرض المراهق لخطر الوجود في موقف معين يتطلب الهروب السريع، يقوم الجسم بإفراز الهرمونات المختلفة المحفزة للهروب من الموقف بسرعة كبيرة مثل «الأدرينالين» و«الكورتيزول».
و«الأدرينالين» يقوم برفع الضغط في شرايين الجسم، وزيادة ضربات القلب، لكي يمكن إيصال الدم إلى جميع أجزاء الجسم، بما فيها الأطراف مثل القدميين واليدين. ولكن استمرار تعرض المراهق لمثل هذا الخطر (الذي يشابه الإقامة في مبنى قديم على وشك الانهيار) يؤدي إلى التعرض لكوابيس، وعدم القدرة على التركيز الدراسي، وصعوبة النوم، فضلاً عن أن استمرار ارتفاع الضغط يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالمعاناة من ضغط الدم العالي (hypertension)، لاحقاً، الذي يمكن بدوره أن يؤدي إلى الإصابة بجلطة القلب والذبحة الصدرية والسكتة الدماغية.
وأكد الأطباء أن الأطفال والمراهقين برغم علمهم بأنهم أقل الفئات تأثراً من المرض، إلا أن هناك أسباباً أخرى للمخاوف التي تنتابهم؛ أهمها الخوف من مرض أحد الأبوين، وإمكانية أن يتعرض للمعاناة في ظل نقص أماكن الحجز بالمستشفيات، فضلاً عن عدم توافر العناية الطبية بشكل سريع نتيجة لزيادة الأعداد. ويتحول هذا القلق إلى شكل مرضي، مع المتابعة المستمرة لوسائل الاتصال المختلفة، خصوصاً مع التركيز على حالات الوفاة التي يتم استعراضها في جميع بلدان العالم.
كانت دراسة حديثة قام بها أطباء نفسيون من جامعة المنصورة بمصر، أشارت إلى أن هناك نسبة تزيد عن 90 في المائة من الأطفال من عمر 9 إلى 12 عاماً، يعانون من الهلع من فقدان أحد الأبوين.
اضطراب الحياة
حذرت الدراسة من أن الأطفال حتى الصغار منهم مدركون لحجم العواقب الاقتصادية للجائحة، مع فقدان عدد كبير من أفراد الأسر وظائفهم، أو انخفاض الدخل بشكل ملحوظ، وما تبع ذلك بالضرورة من إمكانية عدم توافر الكميات المعتادة للطعام في كثير من الأحيان، ما يمكن أن يؤدي إلى أمراض تتعلق بسوء التغذية مثل الأنيميا أو نقص أنواع معينة من الفيتامينات والمعادن.
وبالطبع يتفاقم هذا الوضع في البلدان الأكثر فقراً التي تعاني من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية، فضلاً عن أن هذه الأسر في الأغلب تعاني بالفعل من الأمراض المزمنة، نتيجة لتدني المستوى المعيشي، ما يجعلها أكثر عرضة لمضاعفات «كورونا» في حالة حدوثها.
ونصح الأطباء بضرورة التعامل بجدية مع هذه المخاوف المفرطة، واللجوء إلى الاستشارات النفسية عبر الإنترنت في الوقت الحالي، والتعرف على الأسباب الحقيقية للآلام العضوية، حيث إنه في كثير من الأحيان يعاني المراهق أو الطفل من أعراض جسدية تماماً، ولكن في الأصل تكون مجرد تعبير عن الاضطراب النفسي.
وتكون الشكوى إما عبارة عن عدة أعراض متفرقة (multi system complains) في الوقت نفسه، أو عرض واحد متكرر بدون سبب عضوي واضح. وفي الأغلب يكون ذلك على شكل: الصداع أو آلام المعدة والقولون، ومثل هذه الآلام لا تستجيب للعلاج الدوائي، وتستمر في التدهور.
كما نصحت منظمة الصحة العالمية بضرورة تقديم الدعم النفسي، وتوافر الأطباء والمعالجين النفسيين للرد على مخاوف المواطنين والمراهقين، بشكل خاص، من خلال اتصالات هاتفية، نظراً للتوقعات بإمكانية حدوث العديد من الأمراض النفسية، نتيجة للخوف، سواء من المرض أو عواقبه على كل المستويات، خصوصاً وأن العالم لم يتعرض لجائحة بهذا الحجم منذ قرن مضى. وحذرت من أن الوباء سوف ينتهي في فترة قصيرة، ولكن المرض النفسي يمكن أن يلازم المراهق بقية حياته.